أخبار اقتصادية

مختصون: رفع سعر الفائدة الأمريكية قد يربك الاستقرار الهش للاقتصاد العالمي

مختصون: رفع سعر الفائدة الأمريكية قد يربك الاستقرار الهش للاقتصاد العالمي

اتفق مختصون اقتصاديون على أن إسراع مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة خلال العام الحالي قد يربك المشهد الاقتصادي العالمي، ويطيح بما تحقق دوليا حتى الآن من توازن اقتصادي هش بعد الأزمة التي اندلعت عام 2008. جاء ذلك في ندوة اقتصادية عقدت في مدرسة لندن للاقتصاد أخيرا، شارك فيها عدد من الأكاديميين والمختصين، إضافة إلى مجموعة من مستشاري جيم يونج كيم الرئيس الحالي للبنك الدولي. وافتتح البروفسير بيل ألين المستشار الاقتصادي لرئيس البنك؛ الندوة بعرض ورقة بحثية حول الأوضاع الاقتصادية لمجموعة البريكس جاء فيها: "إن الاقتصاد العالمي الذي استمد ديناميته من الاقتصادات الناشئة لأكثر من عقد من الزمان باستثناء فترة الأزمة الاقتصادية الأخيرة، قد بدأ يفقد تلك الدينامية لصالح الاقتصادات الكبرى التقليدية". وتضيف الورقة أن دول مجموعة البريكس "الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا" تخسر الآن وضعها كمحرك للاقتصاد العالمي، فهذه الدول الخمس تسهم بـ 15 في المائة من التجارة الدولية خلال الفترة ما بين 2000 و2014، وحاليا تعاني اثنتان منها حالة الركود الاقتصادي وهما روسيا والبرازيل، أما الصين فتمر بحالة من التباطؤ الحاد في معدلات النمو، وجنوب إفريقيا تصارع أوضاعا اقتصادية صعبة نتيجة تراجع أسعار عديد من المواد الخام التي تنتجها، والاستثناء الوحيد هي الهند". وقال لـ"الاقتصادية" الدكتور دبيلو إتش فرانك المنسق العام للندوة وأستاذ التجارة الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد: "التجارة الدولية هي الآلية التي من خلالها يساعد الطلب القوي في اقتصاد ما -وأعني هنا الاقتصادات الناشئة- على زيادة الإنتاج في الاقتصاد الآخر، وأعني هنا أوروبا والولايات المتحدة. وآخر بيانات أصدرتها الأمم المتحدة تشير إلى تراجع الطلب على الواردات في الربع الأول من هذا العام، حيث تحولت الأسواق الناشئة من المساهمين في نمو التجارة الدولية، إلى عامل للحد من النمو وذلك لأول مرة منذ عام 2009". وأضاف فرانك: "حجم التحول صارخ للغاية، فأكبر 17 اقتصادا من الاقتصادات الناشئة، أدى تراجعها إلى انخفاض التجارة الدولية بنحو 1 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري، وذلك بعد أن بلغت مساهمتها السابقة في نسبة الزيادة في التجارة العالمية نحو 2.5 في المائة سنويا خلال الفترة من 200 إلى 2014، وكانت هذه الدول تسهم معا بـ 43.5 في المائة من إجمالي قيمة التجارة العالمية". وأظهر عدد من المشاركين نبرة قلق واضحة بشأن تراجع التجارة الدولية، وفقا للمؤشرات المتاحة حتى الآن عن الربع الثاني من العام الجاري، إذ تراجعت الصادرات الصينية بنحو 2.5 في المائة في مايو الماضي، كما انخفضت الواردات بما يعادل 17.6 في المائة مقيمة بالدولار. وأشارت الدكتورة بانو باويجا رئيسة قسم استراتيجيات الأسواق الناشئة في يو بي إس، إلى تراجع معدلات النمو في الاقتصادات الناشئة إلى 3.5 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام، وهو أدنى مستوى لها منذ الأزمة الاقتصادية. وأكدت باويجا أنه إذا تم استبعاد مساهمة الصين، فإن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الناشئة مقيما بالدولار الأمريكي سيكون قريبا للغاية من 0 في المائة. كما أعربت باويجا عن اعتقادها بأن الانخفاض الراهن في الأداء الاقتصادي في الأسواق الناشئة انخفاض هيكلي، وأن ذلك سينعكس على مستوى التبادل التجاري بين تلك البلدان سواء في مجال المواد الخام، أو السلع شبه المصنعة. وصرح لـ"الاقتصادية" أيان بن أحد خبراء البنك الدولي الرئيسين في مجال الاقتصاد الكلي، أن هذا الوضع لربما يزداد سواء إذا أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على رفع أسعار الفائدة، سواء نتيجة انسحاب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية من تلك الأسواق، أو جراء زيادة القيمة السعرية للسلع المستوردة، سواء في شكل مواد أولية أو مصنعة مقيمة بالعملة الأمريكية، أو ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجي. وأضاف أيان بن: "الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الناشئة تدنى خلال الربع الأول من العام الجاري إلى أدنى مستوى له في السنوات الماضية، والمتوقع أن تبلغ التدفقات المالية القادمة إلى الاقتصادات الناشئة هذا العام نحو 981 مليار دولار وهذا أدنى مستوى لها منذ عام 2009". ومع هذا فإن التقييم العام لتلك الاقتصادات لم يخل من لمسة تفاؤل عندما تعلق الأمر بالاقتصاد الهندي، إذ توقع خبراء البنك الدولي أن يبلغ معدل نموه هذا العام 7.5 في المائة، ليتجاوز بذلك الاقتصاد الصيني العام المقبل وعام 2017. إلا أنهم استبعدوا قدرة الاقتصاد الهندي على أن يحل محل الاقتصاد الصيني كقاطرة للاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق أشار الدكتور سام وينتور أستاذ الاقتصادات الآسيوية في جامعة كمبريدج، خلال مداخلة له إلى أن المعضلة التي يمكن أن تقابل الاقتصاد العالمي خلال السنوات المقبلة هي غياب مركزية اقتصادية، يمكن أن تعمل كقاطرة تسهم في جذب الاقتصاد الدولي، وضمان مزيد من الاستقرار في معدلات النمو المحققة. وعلق سام وينتور لـ"الاقتصادية" قائلا: "معدل النمو العالمي المتوقع هذا العام 2.8 في المائة والعام المقبل لن يتجاوز 3.3 في المائة، فإذا أخذنا في الحسبان المصاعب المتوقع أن تحيق بالاقتصادات الناشئة جراء رفع معدل الفائدة الأمريكي، فإن الاقتصاد العالمي قد يواجه حالة من الارتباك، خاصة إذا ما تواكب التباطؤ في النمو مع تراخي في السياسات النقدية، وهو ما يمثل تحديا مشابها للتعقيدات التي واجهت المجتمع الدولي قبل أزمة عام 2008". ومع هذا فقد انقسم المشاركون في الندوة بشأن أيهما أكثر ضررا وخطرا على الاقتصادات الناشئة، رفع معدل الفائدة الأمريكي، أم انهيار مساهمتها في التجارة الدولية. وبينما انحاز المشاركون المنتمون إلى مدرسة التحليل النقدي لمخاطر رفع الفائدة الأمريكية، فإن عديدا من أساتذة الاقتصاد المنتمين للمدرسة الكلاسيكية اعتبروا أن التجارة الخارجية ممثلة في الصادرات والواردات تعد الآلية الأساسية لتصحيح الاختلالات الاقتصادية، وأن الاعتماد فقط على السياسات النقدية لتصحيح الوضع الاقتصادي، سيحقق نتائج على الأجل القصير، لكنه لن يخرج الاقتصاد من عسرته على الأمد الطويل، وهو ما يتطلب من وجهة نظرهم تغيرات هيكلية في البنية الاقتصادية تكون أكثر قدرة على التعامل مع طبيعة الوضع الجديد في الاقتصاد العالمي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية