المشراق

زلزال ودمار .. المنازل والديار

زلزال ودمار .. المنازل والديار

زلزال ودمار .. المنازل والديار

أبو المظفر أسامة بن مرشد بن علي بن المقلد بن نصر بن منقذ الكناني، أمير وعالم وأديب وشاعر وفارس عربي شهير. ولد ببلدة شيزر في سورية في 27 جمادى الثانية سنة 488هـ. ونشأ فيها، وكانت إمرتها لأسرته، وهي أسرة عربية معروفة. وبين والديه وعمه وجدته عاش وحظي باهتمامهم ورعايتهم. وفي هذه البلدة حصن منيع، وتقع البلدة علي ضفاف نهر العاصي بالقرب من حماه، وتقع على بعد أميال إلى الشمال من حماه، فوق هضبة سماها العرب "عرف الديك". فتلقى تعليمه فيها على أيدي العلماء والفقهاء وجالس الأدباء والمؤرخين، ودرس الفقه والحديث والأدب وحفظ كثيرا من الشعر القديم وقصص الأدب والتاريخ. كان عمه أبو العساكر سلطان بن علي، أمير شيزر، يحنو عليه ويوليه اهتماما، ثم تغير عليه بعد أن رزق ولدا، وأخرجه خوفا منه على نفسه، لما رأى من شجاعته وإقدامه، يذكر أسامة في كتابه الاعتبار ما يفهم منه أنه ترك مسقط رأسه شيزر سنة (532هـ/ 1138)، وانتقل إلى دمشق، ويبدو أن سبب ذلك هو إحساسه أن عمه قد تغير عليه بعد أن رزق عمه بولد، وزاد وحشة ونفورا لما رأى من شجاعة أسامة وبسالته وجرأته وإقدامه، وقد حذرته جدته لأبيه من عمه عندما رأته دخل البلدة وبيده رأس أسد كان قد اصطاده، ونصحته بأن يمتنع عن هذه الأعمال، فقال لها: "إنما أخاطر بنفسي في هذا ومثله لأتقرب إلى قلب عمي، قالت: لا والله ما يقربك هذا منه وإنه يزيدك منه بعدا ويزيده منك وحشا ونفورا، فعلمت أنها نصحتني في قولها وصدقتني". سكن دمشق ثم انتقل إلى مصر. ثم عاد إلى دمشق، ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا، فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين الأيوبي دمشق، فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين، فأسكنه دارا بدمشق، تكريما وتقديرا له. جاب أسامة عددا من البلاد الإسلامية، فزار أنطاكية، والموصل، وبيت المقدس، وحج إلى بيت الله الحرام، وكان كثير الترحال لا يستقر بمكان، وخلال رحلاته تولى أعمالا كثيرة لأمراء مختلفين. #2# كان أسامة شهما شجاعا، قتل الأسد وحده مواجهة. وكان فارسا مغوارا مغرما بالصيد، ووصف في بعض كتبه صيده للأسود، وسلوك الأسد حين يواجه البشر. عاش أسامة بن منقذ 96 سنة، وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان سنة 584هـ، ودفن شرقي جبل قاسيون. وله قرابة 30 كتابا ورسالة، أشهرها كتاب الاعتبار، وكتاب المنازل والديار، وكتاب العصا. قال عنه الإمام المحدث النسابة أبو سعد السمعاني: "أمير فاضل غزير الفضل، وافر العقل، حسن التدبير، مليح التصانيف، عارف باللغة والأدب، مجود في صنعة الشعر، من بيت الإمارة والفروسية واللغة.. وكان مليح المجالسة حسن المحاورة". وقال عنه مؤرخ الإسلام شمس الدين الذهبي: "كان بطلا شجاعا، جوادا، فاضلا". ###مأساته الكبيرة: ما حدث لأسامة بن منقذ فاجعة من أكبر الفواجع، وأكثرها مرارة وألما، إذ فقد أهله وعشيرته وأهل بلدته كلهم في لحظة واحدة، وكان حينها بعيدا عنهم، لا يعلم من أمرهم شيئا. حدث ذلك حين ضرب بلدته شيزر الزلزال الشهير عام 552هـ/ 1157، وقضي على أسرة بني منقذ جميعا، ولم ينج من هذه الكارثة غير أسامة بن منقذ، إذ كان يومئذ بعيدا عن شيزر. قال ابن العديم: "ووقعت الزلازل في شهر رجب في سنة 552، بالشام، فخربت حماة، وشيزر، وكفر طاب، وأفامية، ومعرة النعمان، وحمص، وحصن الشميمس عند سلمية، وغير ذلك من بلاد الفرنج وتهدمت أسوار هذه البلاد... وأما شيزر، فانقلبت القلعة على صاحبها وأهله، فهلكوا كلهم". ###كتاب المنازل والديار: يعتبر هذا الكتاب ديوان الحنين إلى الأوطان، وملاحم الشوق إلى الأهل والخلان، ألفه أسامة تعزية ومواساة لنفسه على فقده أهله ومنازله ودياره، بل كل ما يتعلق بهم، وأشار إلى أنه يرمي إلى جمع: "ما يبرد اللوعة، ويسكن الروعة" ، ويكون "لذي البث راحة"، وأوضح سبب تأليفه الكتاب فقال: "إني دعاني إلى جمع هذا الكتاب، ما نال بلادي وأوطاني من الخراب، فإن الزمان جر عليها ذيله، فأصبحت "كأن لم تغن بالأمس"، موحشة العرصات بعد الأنس، قد دثر عمرانها، وهلك سكانها، فعادت مغانيها رسوما، والمسرات بها حسرات وهموما، ولقد وقفت عليها بعدما أصابها من الزلزال ما أصابها، وهي "أول أرض مس جلدي ترابها" فما عرفت داري، ولا دور والدي وإخوتي، ولا دور أعمامي وبني عمي وأسرتي، فبهت متحيرا مستعيذا من عظيم بلائه، وانتزاع ما خوله من نعمائه". وقسم المؤلف كتابه إلى ستة عشر فصلا في ذكر المنازل والديار والمغاني والأطلال والربع والدمن والرسم والآثار والمساكن والمحال والمعاهد والأعلام والمعالم والعرصات والأرض والأوطان والمدن والبلاد والدار والبيت، وختم كتابه بفصل في بكاء الأهل والإخوان. ويبدأ الفصل غالبا بما يجده مناسبا له من آيات القرآن الكريم مع تفسيرها من المأثور، ثم يورد ما يناسب الفصل من الأحاديث النبوية، ثم يفيض في مختاراته الشعرية مع الأخبار المتعلقة بها، وقد أورد في كتابه قرابة خمسة آلاف بيت من الشعر. طبع الكتاب عدة مرات، وأفضل طبعاته هي التي حققها العلامة مصطفى حجازي بتكليف من لجنة إحياء التراث في القاهرة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من المشراق