Author

«سيلفي» الحس التربوي الغائب

|
مغرب رمضان يمثل فترة الذروة في مشاهدة القنوات الفضائية، حيث يلتئم شمل العائلة بكاملها حول مائدة الإفطار الكبير والصغير، والناضج، وغير الناضج، مع ما يصاحب ذلك من برامج ومسلسلات تلفزيونية، فيها ترويح، وغذاء للعقل كل على حسب رغبته. لذا فإن حسن استثمار هذه الفترة بما يسهم في تغذية تربوية ناجحة أمر ضروري يستوجب التخطيط، والإبداع، واختيار المضمون الهادف، على أن هذا لا يعني استبعاد الترفيه من المشهد الإعلامي. من مبادئ التربية أن اللعب، والترفيه من الممكن أن يكون له أثر تربوي قوي ذلك أن الفرد من الممكن أن يكتسب القيم، والمفاهيم، والمبادئ السامية من خلال الترفيه الذي يمارسه، أو يشاهده خاصة أن تأثير الإيحاء يكون حاضرا في المادة المشاهدة. ولعله من المناسب الإشارة إلى أن الغرب الذي كثيرا ما ننتقده في تحرره توجد لديه قوانين صارمة تمنع عرض بعض المشاهد في أوقات معينة، إذ إن بعض البرامج، والأفلام لا تعرض إلا بعد الساعة الـ 12 لضمان أن الأطفال نائمون، كما تحرم القوانين مشاهدة الأطفال بعض المواد الإعلامية، فهل الغرب الذي كثيرا ما ننتقده أحرص منا على عقول أبنائه واتجاهاتهم ومشاعرهم لضمان عدم تلوثها بمواد إعلامية ينتجها ويسوقها أفراد وشركات، ليست التربية ضمن حساباتهم التي لا ترى إلا المكاسب المالية. الكل يعلم أن سجالا قويا يوجد بشأن إن كان الفن للفن، أم أن الفن للحياة، وربما أن القائمين على "سيلفي" يأخذون بفلسفة الفن للفن، بغض النظر عن الآثار، والنتائج المترتبة عليه، فالمهم بالنسبة لهم الترفيه والضحك بهدف إخراج الناس من ضغوط الحياة، وزحامها وهذا ليس مقبولا، إذ إن التنبه للآثار الإيجابية والسلبية لا بد أن يكون حاضرا في متن النص الفني، وإخراجه. شاهدت في الأيام الماضية بعض حلقات "سيلفي" التي تبثها قناة MBC، ولعلي أقف عند بعض حلقاتها خاصة حلقة مرافقة ناصر القصبي للمريض، وكيف عمل المستحيل ليرافقه إلى لندن، ليس بهدف أمر جوهري، ومهم، كدراسة، أو تجارة، أو سياحة بريئة، بل بالعكس المشاهد التي تضمنتها الحلقة فيها الكثير مما يخدش الحياء، ويذيب القيم السامية خاصة مناظر الرقص، والنساء الفاتنات، كما أن الحلقة التي جمعت بين ناصر القصبي، والفنان عبد المحسن النمر، وما دار بينهما من حوار بشأن رحلتهما، والتركيز على سياحة الترفيه غير البريء، والذي تركز على الحديث عن النساء، إضافة إلى اللقطة التي ظهر فيها احتساء الخمر، ومن ثم التغير الذي ظهر على سلوكهما، وتفكيرهما، وكذلك العلاقة المتوترة التي نشأت جراء ذلك. قد يقول قائل إن هذه الحلقات تمثل واقع بعض الشباب، هذا صحيح، لكن وجود بعض الأفراد الذين يسافرون لهذه الغاية لا يبرر أن نسهم في إضعاف القيم التي تمثل أساس بناء الشخصية، وذلك بتوفير الأنشطة، والبرامج الهادفة خاصة في شهر رمضان الذي يمثل موسما للمراجعة، وإعادة البناء. الذين يسافرون بهدف الترفيه غير البريء كم نسبتهم في المجتمع؟! ليس لدي معلومات دقيقة، لكن من المؤكد أنها نسبة ضئيلة، لا يمكن تعميمها على المجتمع كافة، وإظهار الشباب السعودي، كما لو أنه شباب فاسد ليس له هدف سوى إشباع غرائزه. من يشاهد ما ورد في الحلقات التي تمت الإشارة إليها هم أطفال وشباب ومراهقون، وهؤلاء من المؤكد ينقصهم النضج وتكون المشاعر أقوى من عملية الحكم العقلي الصائب، فما يشاهده الأطفال والمراهقون قد يكون مؤثرا سلبيا فيهم، إذ إن الإيحاء كعملية نفسية يمكن أن تجسد في العقول أهدافا هامشية للحياة، حيث يكون الترفيه المحرم هدفا للمشاهد ما يصرفه عن الأهداف المهمة، والجوهرية التي تحوّل الشباب إلى قطيع ليس له هم سوى إشباع الغرائز، والركض وراء الملذات. لا ننسى أن بطل القصة أو الفيلم يتم تقمص شخصيته من القارئ، أو المشاهد، مهما كانت سيئة أو جيدة فهل نريد لأجيالنا تقمص شخصيات ناجحة، أم تقمص شخصيات ضائعة منغمسة في الفساد والضياع؟! الشباب السعودي لا يمكن اختزاله في عدد من الشباب يسافر بغرض المتعة المحرمة، فالشباب السعودي تلمس آثار جهوده في أعمال الخير، والعلم، والدعوة، وخدمة الحجاج، والصائمين، وتجاهل هذه الجهود قد يعطي ليس للمشاهد السعودي فقط بل المشاهد في كل أنحاء العالم صورة مشوهة عن الإنسان السعودي، فهل نرضى أن ترتسم هذه الصورة وتحل محل الصورة المشرقة، والجميلة التي تليق بنا ووطننا الشامخ؟!
إنشرها