Author

عندما تسير المسؤولية الاجتماعية عكس الاتجاه

|
كما يحدث مع المركبات، قد تسير المسؤولية الاجتماعية في الاتجاه المعاكس لخط سيرها تماما دون أن تدرك ذلك، وعليه كما يقول الكاتب الاسكتلندي توماس كارلايل: "أعظم الأخطاء أن يكون المرء غير مدرك للأخطاء التي يرتكبها". وفي حين لا يختلف اثنان على عواقب قيادة المركبة عكس اتجاه السير, الأمر الذي صنفها ضمن مخالفات الدرجة الأولى التي تستوجب الأحد الأقصى للعقوبة، إلا أن النتائج الوخيمة للمسؤولية الاجتماعية للشركات حين تسير عكس الاتجاه لا تزال مغيبة عن بوصلة الاهتمام! وإذا سلمنا مسبقا بأن "المسؤولية الاجتماعية للشركات" مفهوم تنموي يركز على دور القطاع الخاص في تحقيق الأهداف التنموية للمجتمع، فمع تطور المفهوم وانتشاره، نجد- على نقيض المتوقع- أن التحديات التنموية في مجتمعنا في ازدياد. فقضايا البطالة والفقر والتوعية الصحية والخدمات والإسكان وحوكمة الشركات ليست على أحسن حال قبل انتشار المفهوم خاصة في ظل ارتفاع مستوى النمو السكاني. ومنذ دخول المسؤولية الاجتماعية للشركات للسعودية أوائل الألفية الجديدة، إلا أن مخرجات تلك البرامج المسؤولة وتأثيرها الإيجابي في مسار التنمية يكاد يكون معدوما، فعلى سبيل المثال، تشير آخر الأرقام من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات إلى أن معدل البطالة للسعوديين في عام 2014 بلغ 11.7 في المائة بارتفاع عن العام الذي يسبقه، فيما تشكل نسبة الإناث في قوة العمل في السعودية 21 في المائة بحسب وزارة الاقتصاد والتخطيط، وما زالت نسب التلوث البيئي وتأثيرها في الصحة وهدر المياه والطاقة في ارتفاع مستمر! لتسليط الضوء أكثر، فعندما لا ينتج عن المسؤولية الاجتماعية تطورات إيجابية على خريطة التنمية، في ظل المكاسب التي تجنيها الشركات على مستوى تعزيز صورتها الذهنية أو ثقة المجتمع أو الشراكات مع الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني، فإن هذا حتما يشير إلى أن المسؤولية الاجتماعية تسير عكس اتجاهها. يحدث ذلك حين تصرف الشركات المال والوقت على برامج مؤقتة لا يحتاج إليها فعلا المجتمع، أو في حال وجود خلل في طريقة تطبيق المسؤولية الاجتماعية للشركات أو استخدامها بشكل سلبي، ونشر التقارير المضللة عن برامجها الاجتماعية أو ادعاء تبني برامج بيئية أو "الغسيل الأخضر". إذا ما الذي يجب عمله؟ في رأيي بات ضروريا وجود جهات تعيد المسؤولية الاجتماعية في المملكة لمسارها الطبيعي مع مراعاة الاحتياجات التنموية للبلاد، بما يتماشى وتحقيق رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز في السعي نحو التنمية الشاملة والكاملة والمتوازنة في المملكة. هذه الجهات، سواء ذات سلطة أو مؤسسة مجتمع مدني أو شبه سلطة مثل الهيئات والجهات الإشرافية، يجب أن تقوم بدورها كلاعب أساسي في ملعب تصحيح مسار المسؤولية الاجتماعية في السعودية، وتعمل على تقديم حلول منهجية ودعم المسؤولية الاجتماعية، سواء بوضع تشريعات محفزة بالاستناد إلى معايير الميثاق العالمي للأمم المتحدة، أو تشريعات تحد من الاستخدامات السلبية للمسؤولية الاجتماعية.
إنشرها