Author

لوقف ظاهرة الهدر في الطعام

|
في تصريح مثير قال وزير الزراعة إننا نهدر 35 في المائة من الدقيق، وهذه المعلومات المهمة جدا تحتاج منا إلى كثير من العناية والاهتمام، وتحتاج إلى سن أنظمة وتشريعات وتوعية حقيقية للمجتمع حول العناية بالغذاء. نحن في نعمة من الله وفضل، لكن هذا لا يبرر لنا هدر الطعام، بل إن هذا الهدر مناف لما سنه رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وما أمر به. والإسلام جاء بالخير للناس ومن الخير ترشيد استهلاك الطعام وعدم التبذير، ومن المناسب في هذا المقام أن نورد خبرا عن إدارة النظافة والفرش في المسجد الحرام، يقول إن متوسط ما يرفع من النفايات يوميا من المسجد الحرام يصل إلى 143 طنا، (143 ألف كيلو جرام من النفايات)، هذه النفايات تحتاج إلى ما يزيد على 2500 عامل مجهزين بكامل المعدات والآليات، ويصل عدد الآليات إلى 2542 آلة، ونحن نعرف أن معظم نفايات الحرم في هذه الأيام هي نفايات الطعام الذي يوزع بمناسبة الشهر الكريم، خاصة لوجبة الإفطار. وإذا كان مثل هذا الهدر في الحرم المكي الشريف الذي يخضع إلى إشراف الدولة فكم مثله في الحرم المدني؟ وكم مثل هذا وذاك في المساجد التي تقدم إفطارا للصائمين وتمتد في طول البلاد وعرضها؟ وهذا يشير إلى أننا نهدر كميات كبيرة من الطعام الذي يوزع بلا دراسة أو حاجة حقيقية، وهذا الهدر يحتاج منا إلى وقفة جادة وحقيقية، خاصة أنه بدأ يتمدد من المناسبات والأفراح حتى أيام الأحزان والعزاء والموت، إلى السلوك اليومي في المياه والطعام إلى داخل الحرم والمساجد وأوقات الصلاة، ونحن مع إكرام الضيف وإفطار الصائمين، لكننا ضد الهدر والإسراف بأنواعه وأشكاله. نحن نواجه هدرا في كل شيء ندعمه بعبارات مثل الكرم والعادات حتى "المرجلة"، لكن هناك فرق واضح بين الكرم والإسراف والهدر، والله لا يحب المسرفين، وإذا كان هذا الإسراف مذموما لمجرد هدره للطعام ورميه بلا حاجة، فكيف إذا تبع ذلك تكاليف ضخمة للنظافة وتكاليف أخرى للإتلاف، فلسنا نخسر الطعام وقيمته فقط، بل ندفع في مواجهة تلك الخسارة مبالغ طائلة للتعامل مع نفايات ذلك الهدر والإسراف، وكل ذلك خارج الإطار الشرعي الإسلامي، وخارج حتى الإطار الحضاري للأمة التي تريد أن تضع لنفسها مكانا في مقدمة الركب الإنساني. إننا نعاني من كل الظروف القاسية، التي تفرضها علينا البلاد الصحراوية قليلة الأمطار والمياه، قليلة الأراضي الزراعية الخصبة، وهذا نتج عنه ضعف واضح في قدراتنا على إنتاج الغذاء. هذا واقعنا الجغرافي ولن نستطيع تغييره، بل يجب علينا أن نتعامل معه بما منحنا الله من إمكانات أخرى وطاقات بديلة. وإذا كان الإسلام الذي نستمد منه كل تشريعاتنا في هذه الحياة يمقت الإسراف ويحذر منه، والله ــ جل وعلا ــ يتوعد المسرفين، كما جاءت السنة النبوية بكثير في هذا الشأن حتى جاء عن الرسول الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ أنه قال (لا تسرف ولو كنت على نهر جار)، وقال (كل واشرب والبس وتصدق في غير سرف ولا مخيلة). فلماذا لا تصدر تنظيمات واضحة تحد من هذا الهدر في الطعام، وتقنن كمية الطعام للفرد، خاصة في المطاعم، التي تتعامل مع الإسراف كظاهرة ربحية وتعزز من مفاهيمه عند الناس، خاصة صغار السن، يجب أن تصدر تعميمات تمنع وتعاقب كل من يهدر طعاما بكميات غير مناسبة أو يرمي به أو يطلب طعاما من مطعم دون أن يكون له به حاجة. وكما قلنا فإن مثل هذه التشريعات لها أصل في الإسلام، كما أن لها أصلا حضاريا واجتماعيا، ولها صدى عند المجتمع وتخفف من أعباء وتكاليف رفع النفايات حتى من المساجد.
إنشرها