Author

أزمة العقار والإسكان .. الأسباب المنجزات والحلول (3-3)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أختتم الحديث حول أزمة العقار والإسكان في هذا الجزء الأخير، باستعراض أهم الحلول المقترحة لمواجهتها، بعد أن تم تحديد أهم أربعة أسباب أفضت إلى تشكلها في الجزء الأول، وأهم ثمانية إنجازات متحققة في الجزء الثاني، حيث تتلخّص الحلول المقترحة في عشرة مقترحاتٍ كما يلي: المقترح الأول: الإسراع بإقرار آليات الرسوم والغرامات على الأراضي داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات، وتحاشي تأخيرها أكثر مما يلزم (المفترض ألا تتجاوز ستة أشهر منذ الإعلان عن إقرارها). وكما هو معلوم فإن الهدف من الرسوم هو لأجل رفع تكلفة احتكار واكتناز الأراضي، وللحد من الاحتفاظ بها لفترات زمنية طويلة كمخزنات قيمة لا يقابلها تحمل أية أعباء مالية على ملاكها، ولرفع مستوى الاستفادة من الإنفاق الحكومي الهائل على البنى التحتية، وتوظيفه لأجل الهدف الذي لأجله تم تنفيذ تلك المشروعات التنموية، عوضا عن ترجمته كزيادات سعرية مبالغ فيها لمصلحة محتكري الأراضي. ولزيادة فعالية الآليات المرتقبة لتلك الرسوم، يقترح عند تصميمها: (أولا) أن تبنى تكلفة الرسوم على الأراضي على (نسبة) من قيمة قطعة الأرض التي تنطبق عليها الشروط، وترتبط تلك النسبة بالمعدل المتغير للفائدة على الريال السعودي، بحيث تتحدد (نسبة الرسوم) بما لا يقل عن خمسة أضعاف معدل الفائدة على الريال. (ثانيا) حيث إن معدل الفائدة على الريال متغير على الدوام وطوال أيام العام المالي، يتم احتساب تكلفة الرسوم على الأراضي بصورة يومية وفقا لمضاعفها المحدد، يبدأ احتسابها من أول يوم يشعر فيه المالك ببدء احتساب الرسوم عليها بناء على آخر قيمة أو تثمين للأرض أيهما أكبر، ويتم تحصيلها منه قبل نهاية العام المالي الجاري، أو حتى بدئه فعليا بتنفيذ البناء والتطوير بموجب تصريح البناء (لا عند تاريخ حصوله على التصريح منعا للتلاعب والتهرب)، أو حتى تاريخ بيعه الأرض إلى مالك آخر، الذي سيكمل بدوره تحمل تكلفة الرسوم بناء على قيمة الأرض وفقا لأعلى تثمين وصلت إليه، لا بناء على قيمة بيعها الأخير إذا جاء أدنى من التثمين، منعا للتلاعب وتحفيزا لتطويرها واستصلاحها بأسرع وقت. هذا يعني أن تكلفة رسوم الأرض سيتحملها كل من يمتلكها حتى وإن كان يوما واحدا فقط. المقترح الثاني: تأسيس لجان عليا للإسكان حسب المناطق الإدارية الـ 13 في البلاد، يترأس تلك اللجان أمراء المناطق، ويتشكل أعضاؤها من كل الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، ومن أهم تلك الأجهزة الهيئات العليا للتطوير التي تتوافر لبعض المناطق، وذلك لاختلاف التحديات وأشكال الأزمة من منطقة لمنطقة أخرى، ولمنحها مزيدا من الاستقلالية والمرونة في وضع الإجراءات اللازمة لمواجهة أزمة الإسكان وفقا لظروف كل منطقة إدارية، عدا أن مواجهة الأزمة من خلال تفويض جهات تمتلك الصلاحيات بصورة أكبر ممثلة في إمارات المناطق، سيسهم كثيرا في الإسراع في الحد من أوجه الأزمة العقارية والإسكانية، وفي التخفيف من الضغوط على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، كما أنه سيوجد منظومة عمل مشتركة وتكاملية بين الأجهزة ذات العلاقة، يتسم أداؤها بفاعلية أكبر وكفاءة أعلى وإنجاز أسرع. وفي ضوء هذه المقترحات؛ يؤمل أن تضطلع الأجهزة الحكومية الهامة (وزارة الدفاع، وزارة الحرس الوطني، ووزارة الداخلية) بأدوار أكبر في هذا الخصوص، بما يسهم في سرعة تخفيف حدة أزمة الإسكان من جانب، ومن جانب آخر تخفيف الأعباء المالية على مستوى توفير الأرض وتكلفة التخطيط والإنشاء والبناء. تشمل مهام تلك الأجهزة المذكورة تولي مشروعات إسكان منسوبيها، سواء منهم على رأس العمل، أو المتقاعدين. هذا بدوره يعزز كثيرا من الإسراع بالتنفيذ الكفء للمشروعات، إضافة إلى أن ارتفاع الوزن النسبي لمنسوبيها في قائمة المستحقين لدى وزارة الإسكان. المقترح الثالث: تحويل أكبر قدر ممكن من الأراضي الملغاة صكوكها والمستردة لدى وزارة العدل، إلى وزارة الإسكان والجهات الحكومية المذكورة أعلاه، ما سيوفر بدوره مخزونا كبيرا من مساحات الأراضي. المقترح الرابع: تمويل تكاليف إنشاء الوحدات السكنية المخطط لها من متحصلات الرسوم والغرامات على الأراضي البيضاء، كموارد مالية تضاف إلى الموارد المالية التي خصصتها الدولة لمشروعات الإسكان. حيث يمكن توزيع متحصلاتها على كل من وزارة الإسكان لتمويل تكاليف تطوير الأراضي وإنشاء الوحدات السكنية، وصندوق التنمية العقارية بما يعزز من قدرته على زيادة حجم قروض الإسكان للمواطنين، إضافة إلى إمكانية توجيه جزء من متحصلاتها إلى الأجهزة الحكومية المذكورة في المقترح الثاني. المقترح الخامس: تمويل مشروعات إسكان الشرائح الاجتماعية المحدودة الدخل، من متحصلات الزكاة على الأراضي والعقارات المدرة، بالتنسيق المستمر بين كل من وزارات المالية والإسكان والشؤون الاجتماعية. المقترح السادس: استرداد أراضي المنح ذات المساحات الشاسعة، التي لم يتم تطويرها وإحياؤها وإعادة توجيهها أيضا إلى وزارة الإسكان، وإلى أي من الأجهزة الحكومية المذكورة أعلاه، مقابل منح ملاكها فترة زمنية محددة النهاية بتطويرها وإحياؤها أو تنفيذ الاسترداد. المقترح السابع: العمل بصورة عاجلة على فتح قنوات الاستثمار البديلة لسوقي المال والعقار، وتسهيل إجراءات تأسيسها وإنشائها، التي ستسهم بدورها في اجتذاب السيولة المحلية الكبيرة الباحثة عن تلك القنوات الاستثمارية المجدية. لعل من أهم فوائد هذا المقترح والذي يليه (المقترح الثامن)؛ أنهما سيسهمان في زيادة كل من تنويع قاعدة الإنتاج وقنوات الاستثمار المحلية، الذي سيوجد بدوره مزيدا من فرص العمل الكريمة للمواطنين، ويحسن من مستويات دخلهم. المقترح الثامن: تطوير ودعم سوق السندات والصكوك، ولعل من أهم خطوات دعمها قيام الحكومة بتمويل مشروعاتها الرأسمالية الراهنة والمستقبلية عبر إصدار صكوك، الذي سيسهم بصورة سريعة في امتصاص أجزاء كبيرة من السيولة المحلية، الذي بدوره سيخفف من احتقان السيولة المتركزة، سواء في السوق العقارية أو السوق المالية، ويعجل بمزيد من تنفيس تضخم الأسعار، والحد كثيرا في المستقبل من تشكل الفقاعات السعرية في السوق المحلية عموما. المقترح التاسع: أن تتولى كل من وزارة التجارة والصناعة ومجلس حماية المنافسة حصر ومراقبة كل من: (أولا) ملكيات الأراضي بمساحات شاسعة، وتطبيق أنظمة الحد من الاحتكار، وإرساء المنافسة في السوق. (ثانيا) مراقبة تحركات أسعار الأراضي والعقارات وتكلفة الإيجارات، وأن تطبق بحقها الضوابط النظامية التي تحد من التحكم والتلاعب بها. (ثالثا) أن تتولى تنفيذ الإجراءات والعمليات اللازمة للحد من المضاربة وعمليات التداولات العقارية العالية. تستهدف تلك الإجراءات اللازمة ضرب الأسباب الحقيقية للأزمة في عمقها، كما يقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة مهمة القيام بالنشر المنتظم لنتائج تلك المهام، لعل من أهم ما يجب نشره تحركات الأسعار، وإصدار مؤشر دقيق يوضح اتجاهاتها في السوق. المقترح العاشر: قيام كل من المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد بتعديل سياساتهما الاستثمارية في القطاع العقاري، التي ساهمت وفق وضعها الراهن في زيادة احتكار الأراضي واحتجازها، والبحث معها في كيفية التعامل مع مخزونهما الهائل من الأراضي، وتطوير سياستهما الاستثمارية عقاريا بما يخفف من أزمة الإسكان لا بزيادة تفاقمها. والله ولي التوفيق.
إنشرها