Author

صحافيون .. في السجن

|
يقال إن "الطريق إلى الجحيم معبد بالنيات الطيبة" ويبدو، ذلك أيضا طريق بعض الصحافيين حين تغيب مفردات المهنية الإعلامية أمام بعض التقارير التي تزعم "خدمة المجتمع"! إذ إن نشر تقرير صحافي مضلل عن المسؤولية الاجتماعية قد يؤدي بالصحافي إلى السجن، حتى وإن كانت نيته تسير في طريق ما يسمى "خدمة المجتمع". ولعلي أعلق الجرس وفي ذاكرتي الدعوى القضائية التي رفعها مارك كاسكي، وهو ناشط في حقوق المستهلك، في عام 1998، ضد شركة عالمية كبرى في مجال الأحذية والملابس الرياضية، لكونها مارست التضليل في بياناتها الصحافية، وإعلاناتها التي كانت تنشرها في وسائل إعلام مختلفة، فيما يتعلق بممارساتها الأخلاقية وجهودها لتحسين بيئة وظروف العمل، ضمن حملتها للعلاقات العامة ردا على التقارير المسربة حول انتهاكات تمارسها الشركة، على نطاق واسع، لحقوق العمال. استندت أسباب تلك الدعوى إلى الممارسات غير العادلة والمضللة والدعاية الكاذبة التي استخدم فيها الإعلام بشكل سيئ، وهو ما يعني أن الصحف ووسائل الإعلام نفسها يمكن أن تجد نفسها في دائرة المساءلة القانونية. كما أن استمرارية الشركات في الممارسات الربحية والشكلية التي لا تعكس جوهر الإدارة المسؤولة وتمريرها عبر المؤسسات الإعلامية هو نوع من التضليل والدعاية الكاذبة. وعلى هذا الأساس، بات ضروريا وجود صحافيين "متخصصين" لفرز وتحليل النشرات الإعلامية الواردة، وكذلك لحماية مؤسساتهم الإعلامية من أي محاولات اختراق أو تضليل من شركات القطاع الخاص. في رأيي أن مهنية الإعلاميين على المحك كونهم مسؤولين تجاه نشر تقارير المسؤولية الاجتماعية المضللة، وقد تتكبد المؤسسات الإعلامية غرامات كبيرة، في حال رفع دعوى قضائية، كونها مارست النشر المضلل لتقارير المسؤولية الاجتماعية للشركات. السؤال اليوم: كيف تخرج المؤسسات الإعلامية من هذا المأزق؟ الإجابة ببساطة تكمن في العودة إلى الأساس وممارسة التحليل المهني للمواد أو التقارير التي ترد من أقسام العلاقات العامة أو أقسام المسؤولية الاجتماعية في الشركات، وتحليل الخبر، ومعالجته مهنيا، والتحقق من صحة المعلومات، ودراسة أبعاد الخبر وتقييم المادة من وجهة نظر الرأي الآخر من خلال سؤال متخصصين في الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية للشركات. ولا نغفل هنا أهمية دور القانونيين والناشطين ومؤسسات المجتمع المدني، كجمعيات حقوق المستهلك، في العمل كذراع قانوني لضمان تصحيح المعلومات المضللة أو التقليل منها وجعل الممارسات المسؤولة للشركات أكثر انضباطا وقيمة ومصداقية، وبالتالي تنعكس إيجابا على المجتمع. ختاما.. الصحافة هي "السلطة الرابعة" في كل المجتمعات.. لكنها "السلطة الأولى" في كشف ممارسات الشركات التي تدعي مسؤوليتها تجاه المجتمع، وهي في حقيقة الأمر، تحتاج لـ "كاسكي" بمواصفات سعودية يعيد بقضية واحدة ترتيب واقع برامج "الاستدامة" لدى الشركات، بعيدا عن استغلال "الإعلام" ووضعه في "قفص اتهام بدعوى "النيات الطيبة"!
إنشرها