Author

صناعة العقار وأعراض غياب الأطر المرجعية

|
تكمن أهمية العقار في كونه ذا علاقة كبرى بالمواطنين والمقيمين بجميع فئاتهم، إذ إن كل مواطن أو مقيم ومن أي طبقة اقتصادية كانت لابد أن يحتاج إلى سكن كما أن أي مستثمر في أي قطاع صناعي أو زراعي أو تجاري أو خدمي لابد أن يحتاج إلى العقار المناسب لاستثماراته. ولا شك أن موقع ونوع وتكلفة العقار تلعب دورا كبيرا في تحقيق متطلبات الحياة الكريمة للمواطن، كما أنها تلعب الدور ذاته في تعزيز فرص نجاح الاستثمارات أو فشلها. تكمن أهمية العقار أيضا، الذي بات صناعة في الدول المتقدمة، في عظم حجمه وارتباطه بجميع القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاع المال، حيث أصبح العقار أساسيا في عمليات صناعة الأوراق المالية وفي صناعة التمويل لجميع الأهداف بما في ذلك تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأمر الذي يجعل صناعة العقار تتجاوز قضية توفير السكن المأوى أو توفير المقر المناسب للأنشطة الاقتصادية كافة إلى أبعاد مهمة وحيوية. تنقسم هذه الأبعاد إلى قسمين، الأول يتعلق بتنمية الإنسان صحيا ونفسيا واجتماعيا واقتصاديا وتحقيق متطلباته من الترفيه والخدمات والمنتجات، وبالتالي هذا القسم يتعلق بجودة حياة الإنسان الشخصية ومدى تحفزه للعطاء والالتزام بحياته العملية، فيما يتعلق القسم الثاني بالاقتصاد الكلي لجهة توفير السيولة وتناقلها بين القطاعات واستقطابها من داخل البلاد وخارجها وضخها في شرايين الاقتصاد الوطني لتنمية جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى التي تتأثر إيجابا بنشاط القطاع العقاري وسلبا حال ركوده، وبالتالي التأثير في معدلات توليد الوظائف، ونسب البطالة، ومعدلات النمو الاقتصادي وإجمالي الناتج المحلي. لو شئت الحديث عن أهمية القطاع العقاري لاحتجت إلى صفحات كثيرة، ولكن أكتفي بهذا القدر لأقول رغم أهمية هذا القطاع، إلا أن صناعة العقار في بلادنا ما زالت لا تجد الاهتمام الكبير الذي يتناسب وأهميتها، وبالتالي فإن هذه الصناعة عجزت أن تحقق أبعادها لعقود طويلة وما زالت رغم بعض التقدم في هذه الصناعة بعد إصدار أنظمة التمويل العقاري ونمو التمويل العقاري للمستفيدين والمطورين، حيث ارتفعت نسبة تمويل المؤسسات المالية لشراء العقارات من 2 في المائة مقارنة بجميع أنواع التمويل الأخرى إلى 12 في المائة تقريبا، كما أصبحت لدينا صناديق عقارية بنحو 25 ريالا. عدم الاهتمام بصناعة العقار جعلها تلعب دورا في تمكين المواطنين من الحصول على المأوى في الوقت المناسب من العمر لفترة محدودة، ولا أقول السكن لأن السكن في الأحياء يجب أن يحقق جميع الأبعاد الصحية والنفسية والاجتماعية والبيئية والاقتصادية، إضافة إلى كونه مأوى، وهذا ما هو غير محقق حاليا إلا في أحياء نادرة جدا جدا. ونتيجة لتزايد الطلبات على المأوى وعجز صندوق التنمية عن توفير القروض لطالبيها عجزت صناعة العقار عن توفير المأوى الأمر الذي انعكس سلبا على نسبة تملك المواطنين للمساكن، وتشكلت لدينا شيئا فشيئا مشكلة أو أزمة إسكانية باتت هي الأولى لجهة الاهتمام من قبل القيادة ـــ رعاها الله. ضعف هيكلة صناعة العقار وضعف فهمها أيضا ومتطلبات تنشيط هذه الصناعة وعدم القيام بذلك في ظل الأزمة الإسكانية كل ذلك أدى لحراك كبير من قبل الدولة ممثلة بجهاز وزارة الإسكان بالتزامن مع حراك كبير لصناع الرأي وانطلقت أفكار المعالجة والقرارات، وتشكل لدينا واقع إسكاني بائس بالتزامن مع تشكل رأي عام عاطفي ما أدى إلى تشكل ضبابية شديدة أضعفت هياكل صناعة العقار الهزيلة وأوقفت المطورين عن التطوير والممولين عن التمويل والمشترين، رغم الحاجة، عن الشراء. ولم تحل الأزمة الإسكانية بل إن الأمر تعقد بشكل كبير، حيث تشكلت حالة من الصراع بين صناع الرأي وبعض صناع القرار مقابل المستثمرين في القطاع العقاري وأصبحنا في حالة من حوار الطرشان كما يقول المثل. الأزمة الإسكانية كما يقول المستثمرون في القطاع العقاري تعود لأسباب كثيرة تجب دراستها قبل الإشارة بأصابع الاتهام إلى المستثمرين في القطاع العقاري وملاك العقارات بجميع أنواعها، حيث يقولون إن ارتفاع نسبة البطالة وعدم مواكبة معدلات الرواتب لمعدلات التضخم وثقافة السكن التي أسس لها صندوق التنمية العقارية، وضعف الرؤية لحجم ومتطلبات الأسرة السعودية المستقبلية أدت لتحميل القطاع العقاري جميع أسباب الأزمة، بينما القطاع العقاري كغيره من القطاعات يعاني أزمة إهمال مقارنة بالقطاعات الأخرى كالبتروكيماويات وقطاع المصارف والأسمنت والاتصالات والصناعات وغيرها. صناع القرار الإسكاني ومتخذوه خلال السنوات الخمس الماضية لم يلتفتوا إلى كل ذلك وقرروا أن سبب الأزمة الرئيس هو فقط ارتفاع أسعار العقارات غير المبرر وأنه لا حل إلا بفرض رسوم على الأراضي لتنخفض الأسعار، واتهموا العقاريين بأنهم مجموعة من الترابيين أعداء المواطن والوطن وأنهم يغلبون مصالحهم على المصلحة العامة. غياب الأطر المرجعية لصناعة العقار وآليات تنميتها جعلنا في التوهان الفكري في حل المشكلة الإسكانية وجدل شديد حول فرض رسوم، وكم، وعلى من وكيف يتم تحصيلها، أو عدم فرضها من الأساس لأضرارها على الاقتصاد الكلي، وأصبحنا نناقش قضية متشعبة الأبعاد ومتشعبة الأثر بسطحية مقيتة في حال من حالة الخصام. ولكي نخرج من ذلك علينا أن نلتفت بعلمية إلى صناعة العقار ومتطلبات تنميتها لتجنب أعراضها السلبية، ومن ذلك الأزمة الإسكانية وذلك من خلال تحديد الأطر المرجعية المنطقية لصناعة العقار لنحلل ونشخص بدقة ونضع الأفكار الإبداعية لتنمية هذه الصناعة لحل المشكلة الإسكانية وغيرها من المشاكل ذات الصلة بصناعة العقار من خلال الدراسات المنطقية لا المقالات الانفعالية والعاطفية. ختاما أتطلع إلى أن نخرج من ضيق المشكلة الإسكانية وحالة الجدل العقيم وحالة الخصام بين مكونات صناعة العقار إلى فضاء تنمية هذه الصناعة من خلال الدراسات العلمية الحديثة الدقيقة، الشاملة والمتجددة التي تشارك في مناقشة نتائجها الأطراف المعنية كافة، لننطلق من خلال توصياتها إلى بناء استراتيجية فاعلة لتنمية صناعة عقار نشطة وفاعلة تحقق غاياتها المنشودة كافة.
إنشرها