Author

أسعار الدواء .. داء لا دواء له بعد

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"اضحك دائما عندما تستطيع. إنه دواء رخيص" اللورد بيرون - شاعر إنجليزي تظل المشكلة على حالها، حول أسعار الدواء في العالم. من منظور إنساني، يمكن بسهولة وصفها بـ "المصيبة". وبإنسانية أكبر، يمكن أن تكون مشكلة أسعار الدواء بمنزلة داء، لا دواء له. تقوم الحكومات في البلدان الراشدة عادة بتخفيض أسعار الدواء بين الحين والآخر، أو بفرض حدود قصوى لهذه الأسعار. إنها بذلك توفر على نفسها من خلال الضمان الصحي الحكومي، أو على الأفراد الذين لا يشملهم هذا النوع من الضمان. وكذلك الأمر بالنسبة لأولئك الذين لا يستطيعون ماليا حقا الحصول على التأمين الصحي عبر شركات التأمين الخاصة المعروفة. لكن في النهاية تظل الأسعار عالية بالنسبة لجميع الجهات، حتى في البلدان القادرة ماليا. علينا فقط أن نتخيل الوضع في البلدان التي تعاني تلبية الاحتياجات المعيشية الرئيسة لسكانها. صحيح أن الشركات المنتجة لأي شيء هي جشعة "بالفطرة"، بما فيها الشركات المصنعة للأدوية، لكن الصحيح أيضا، أن تكلفة إطلاق دواء جديد، وكذلك الأمر بالنسبة لتطوير دواء موجود أصلا، هي بالفعل عالية. هذا باعتراف الجهات الساعية لإيصال أسعار الدواء في العالم إلى أدنى مستوى ممكن لها. فالدراسات والبحوث والعمليات المخبرية وما يرتبط بها، تتكلف أموالا هائلة، وهذا ما تتمسك به الشركات المصنعة كمبرر لطرح منتجها بسعر مرتفع. فلا يمكن أن تبيع الشركات المعنية أدويتها بخسارة، وإلا تحولت إلى جمعيات خيرية، لكن عليها أن تعي، أنها لا تنتج كافيارا، ولا حقائب فاخرة، ولا ساعات مرصعة بالألماس، بل تقدم منتجا طبيا إنسانيا، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. وعليها أن تكون منطقية في المكاسب، بعد أن تمر بمرحلة تغطية التكاليف. هناك تضارب في تقديرات تطوير الدواء. والأمر يعود أساسا إلى طبيعة هذا الدواء، والمرحلة التي مر بها إلى أن بلغ رفوف الصيدليات. توصل خبراء ومختصون في السابق إلى تقديرات لهذه التكلفة، على أمل المساعدة في تحديد الأسعار في مرحلة لاحقة. اتفق هؤلاء على أن 2.6 مليار دولار، هو المبلغ اللازم حقا لتطوير دواء. إنه ليس بسيطا، ولكن علينا أن نعترف بأنه بعد الأزمة الاقتصادية العالمية، بات المليار دولار رقما عاديا، ليس من فرط توافره، بل من سرعة تبخره. وقد لا يعرف البعض، أن الشركات المنتجة للأدوية لا تنفق هذا المبلغ مرة واحدة أو دون ضمانات، بل إنها تنفق في المتوسط (وفق دراسة نشرتها "فورين بوليسي" الأمريكية) نحو 300 مليون دولار على البحث والتطوير، بعد أن تكون قد حصلت بالفعل على الموافقة على الدواء. أي أنها لا تستمر في مشروعها دون الحصول على الضمانات اللازمة للتسويق والبيع. هذا الأمر على وجه الخصوص، يخفف المخاطر "إلى مستوى الصفر" التي قد تعترض الشركة من المنتج الجديد المزمع. بالطبع تختلف التكاليف من منتج لآخر. لكن ما يطرح من أرقام يبقى في المتوسط. وحتى لو أخذنا في الاعتبار ارتفاع نسب التضخم في الفترات المتباعدة، فإن الحصول على الموافقة المبدئية تبقى حافزا وضامنا للشركة. دون أن ننسى، أن هناك نسبة هائلة تضاف إلى أسعار الدواء، نتيجة وجود أكثر من جهة وساطة في التسويق، وهو أمر ينبغي أن يدفع السلطات المعنية بأمر الدواء في أي بلد كان، على إقرار تنظيم جديد في عمليات التسويق هذه. البعض يقترح أن تكون الحكومات (مثلا) الجهات الوحيدة التي تشتري المنتج الدوائي، ما سيخفض نسبة لا بأس بها من الأسعار، وفي الوقت نفسه لا يؤثر سلبا في الشركات المنتجة. لا أحد يمكنه أن يطلب من الشركات المنتجة للأدوية أن تبيع بالخسارة فهي تقوم باختراعات وحلول صحية لا تقدر بثمن، ولكن لا يمكن فصل الربحية عن الاعتبارات الإنسانية. هناك بعض الشركات قامت بخطوات رائعة في هذا المجال، وخفضت أسعار الدواء لديها بالصورة المناسبة، لكن مثل هذه المبادرات لا تزال قليلة ومحدودة. تستطيع هذه الشركات (مثلا) أن تمد الفترة التي وضعتها لاستعادة تكلفة الدواء لفترة أطول قليلا، دون أن تتأثر عملياتها سلبا. لا أحد يريد لها أن تتعطل في الوقت الذي تقدم فيه المنتجات التي تدعم الحياة وتصونها وتخفف الآلام. ليس مطلوبا منها، سوى التعامل التجاري بطريقة أكثر إنسانية. ولا شك أن التعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية في غالبية بلدان العالم، سيمهد الطريق إلى صيغة مثلى تبقى إلى ما لا نهاية. في العالم اليوم "بحسب منظمة الصحة العالمية والبنك الدولي" 400 مليون إنسان بلا رعاية صحية. وهؤلاء يفتقرون حتى للأسبرين. ليس مطلوبا من شركات الأدوية أن تنفق عليهم. هذا ليس من واجبها ولا من مهامها، ولكن المطلوب ما يمكن وصفه بـ "الرأفة السعرية" للدواء. وهذا لا يعني على الإطلاق، تبرئة حكومات عدد كبير من البلدان غير الراشدة من "جنايتها" الصحية على مواطنيها، ولكن ينبغي عدم منح هذه الحكومات مزيدا من المبررات لفشلها. وأسعار الدواء واحد من هذه المبررات.
إنشرها