Author

قراءة في تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
رغم أن الحقائق جاءت متأخرة جدا عن سوق العمل، كما أوردها تقرير الاقتصاد السعودي لعام 2014 الصادر أخيرا عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، إلا أنه يعد أمرا إيجابيا في الوقت الراهن بالنسبة لوزارة العمل، لتبدأ في استدراك ما يمكن استدراكه في واحد من أهم الملفات التنموية المحلية "البطالة". إنها النتائج التي طالما تم تحذير وزارة العمل منها طوال أربعة أعوام ونصف مضت، وهي أيضا النتائج التي حذرت من التورط فيها استراتيجية التوظيف السعودية في حال لم يتم الالتزام بها! ها هو تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط يسردها حرفيا وكأنه يستنسخها من تلك التحذيرات السابقة، إلا أنها هذه المرة قد أصبحت واقعا أو تحديا بمعنى أدق، يتعين على وزارة العمل إضافته إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها في سبيل زيادة توطين الوظائف، واحتواء البطالة بين الشباب والشابات من السعوديين الباحثين عن فرص عمل كريمة. يفتتح التقرير الاقتصادي فصله الثالث بالقول: إنه مع ازدياد الإنفاق على التعليم والتدريب فإن القطاع الخاص، لم يستطع توفير فرص العمل الكافية لاستيعاب العمالة الوطنية الماهرة، الحاصلة على المستويات التعليمية المرتفعة، لأن معظم الوظائف في القطاع الخاص هي للعمالة غير الماهرة بمستوى تعليم دون الثانوي التي يتم استقدامها من الخارج (صفحة 34). ليؤكد التقرير على الحقيقة التالية: إن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة في المملكة، حيث إن أغلب الوظائف فيه هي وظائف غير ماهرة، بينما العمالة الوطنية هي عمالة ماهرة! مفسرا التقرير تلك الحقيقة بما يلي: اتضح من دراسة الوضع الحالي في سوق العمل وبيانات مسح القوى العاملة الصادر من مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات أن القطاع الخاص غير قادر على حل مشكلة البطالة لسببين، الأول: أن الغالب في الوظائف التي يوفرها القطاع الخاص هي وظائف غير ماهرة، ولا تتطلب مستوى تعليميا مرتفعا؛ ما يجعل إحلال العمالة الوافدة بعمالة وطنية واستيعاب الأيدي العاملة الوطنية ضعيفا. إن الأكثر في العمالة الوطنية أنها عمالة ماهرة، كما أن أغلب العاطلين عن العمل هم من حملة الشهادات الجامعية. أما السبب الثاني فيرجع إلى أن مجالات وفرص العمل في القطاع الخاص محدودة بالنسبة للإناث، حيث إن 88 في المائة من الداخلين الجدد في سوق العمل في القطاع الخاص في عام 2014 هم من الذكور، بينما لم تمثل نسبة الإناث سوى 12 في المائة، في حين أن معدل البطالة هو الأكبر لدى الإناث، حيث يبلغ نحو 32.8 في المائة، بينما لا يمثل معدل البطالة لدى الذكور سوى 5.9 في المائة في عام 2014 (صفحة 35). لقد توصل التقرير إلى عدد من النتائج الأخرى ذات الأهمية القصوى بالنسبة لوزارة العمل، التي أصبح لزاما عليها إعادة النظر في جميع برامج التوطين التي تتولى تنفيذها، وهو أمر رغم صعوبته الظاهرية، إلا أنها مسؤولية وطنية لا بد من المبادرة بتحملها قبل أن تتفاقم تلك النتائج مجتمعة في المستقبل القريب، وقد لا يجدي نفعا في ذلك الوقت مواجهتها بعد أن تكون قد خرجت عن السيطرة والقدرة والإمكانات المالية. من تلك النتائج الأخرى أن: (1) أغلب الوظائف التي يقوم بها غير السعوديين هي وظائف لا تتطلب مهارة عالية. (2) إحلال العمالة الوطنية الماهرة مكان العمالة الوافدة غير الماهرة يشكل هدرا لرأس المال البشري. (3) التحدي يكمن في إيجاد وظائف ماهرة تتناسب مع مستوى التعليم لقوة العمل السعودية. الآن قارن ما تقدم من نتائج وحقائق أصبحت تقف عليها سوق العمل محليا، بما حذرت من استراتيجية التوظيف السعودية بأن عدم تنفيذ الاستراتيجية، يعني استمرار الأوضاع الحالية في سوق العمل بما في تلك السوق من تشوهات، ويعني أن تكلفة الفرصة الضائعة الناتجة عن عدم التنفيذ تتلخص في النقاط الآتية: (1) استمرار البطالة في الارتفاع. (2) استمرار زيادة أعداد العمالة الوافدة. (3) استمرار هامشية العمالة السعودية في القطاع الخاص. (4) استمرار الانفصام بين التعليم والتدريب من جهة وسوق العمل من جهة أخرى (المصدر: استراتيجية التوظيف السعودية ص 172 و 173). وقارنها الآن بما تحقق فعليا مع التحفظ على نسب البطالة التي أوردها تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط، التي تستند إلى "مسوحات" مصلحة الإحصاءات العامة، وليس إلى البيانات الفعلية المنشورة من قبل وزارتي الخدمة المدنية والعمل، التي تبين التالي: (1) بلغ معدل البطالة بالنسبة للسعوديين بنهاية 2014 نحو 19.4 في المائة (عاشر أعلى معدل بطالة عالميا)، وبلغ للذكور السعوديين نحو 12.1 في المائة، وللإناث السعوديات نحو 32.0 في المائة (أعلى معدل بطالة للنساء حول العالم). (2) استمر ارتفاع زيادة الوافدين بمعدلات أعلى بكثير قبل برامج وزارة العمل الأخيرة، (رفعت أعدادهم من 6.3 مليون عامل وافد في القطاع الخاص نهاية 2010، إلى أن بلغوا نحو 8.5 مليون عامل وافد بنهاية 2014). (3) يقصد بهامشية العمالة السعودية في القطاع الخاص ما اصطلح على تسميته بالتوظيف الوهمي، وهذا أحد أخطر الانحرافات التي تفجرت في القطاع الخاص طوال الفترة 2011 ـــ 2014، ولهذا يفسر الارتفاع غير المسبوق في زيادة توظيف العمالة الوطنية خلال تلك الفترة، وكم كان ملفتا جدا أن نشاطي "التشييد والبناء وتجارة الجملة والتجزئة"، كانا النشاطين الأعلى توظيفا للعمالة الوطنية مقارنة ببقية النشاطات الاقتصادية في سوق العمل، فمن إجمالي زيادة التوظيف للعمالة الوطنية خلال الفترة ذاتها التي ناهز حجمها 841 ألف عامل وعاملة سعوديين، بلغت حصة هذين القطاعين أعلى من 60 في المائة! وبالرجوع إلى تفاقم أشكال التوظيف الوهمي في بقية النشاطات الاقتصادية الأخرى، فإن النسبة الوهمية للزيادة سترتفع لمستويات تراوح بين 70.0 في المائة إلى 75.0 في المائة، بمعنى أن بين كل عشرة عمال وعاملات تم توظيفهم من السعوديين خلال تلك الفترة، ستجد أنك على أقل تقدير أمام ثلاثة عمال تحصلوا على وظائف حقيقية، بينما يوجد سبعة منهم تعتبر وظائفهم مجرد توظيف وهمي! وهو ما يؤكد تحذيرات الاستراتيجية، غير أنه فعليا أتى ـــ أخطر بكثير جدا من تلك التحذيرات، ويعني أن الانحرافات في عمل الوزارة والصندوق كانت كبيرة جدا وخطيرة. (4) بالنسبة لعدم مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات وظائف القطاع الخاص، يكفي أن تكتشف مفاجأة أن نحو 90.0 في المائة من وظائف القطاع الخاص لا تتجاوز مؤهلاتها الشهادة المتوسطة، في المقابل تجد أن العاطلين السعوديين والسعوديات من حملة الشهادة الثانوية فأعلى تتجاوز نسبتهم 91.5 في المائة من الإجمالي، ونحو 59.0 في المائة منهم حملة دبلوم فأعلى، ونحو 49.0 في المائة منهم من حملة شهادة البكالوريوس فأعلى! أعان الله وزارة العمل على مواجهة كل تلك التحديات الجسيمة، والمأمول أن تبادر بقية الأجهزة في القطاعين الحكومي والخاص بالتعاون معها أكثر من أي وقت مضى، لتجاوز هذه العقبات التنموية المستجدة. والله ولي التوفيق.
إنشرها