Author

القرار العقاري الأخير للمواطن فقط

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
شهد الشهر الأخير تحركات كثيفة جدا لتجار الأراضي والعقار، من خلال اللجان العقارية في الغرف التجارية، وحققت نجاحا ملموسا في جهودها، التي أثمرت عن بسط نفوذ توصياتها على كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، ولتتأكد من درجة النجاح الكاملة لتلك اللجان؛ ليس عليك سوى المقارنة بين توصيات اللجان العقارية (بالتحديد اللجنة العقارية في الغرفة التجارية للرياض) من جهة، ومن جهة أخرى نصوص القرارات الصادرة عن كل من وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، على أن صندوق التنمية العقارية كان أكثر حماسا من الوزارة في تبني كل أفكار ومقترحات تلك اللجان العقارية، التي تمثل حرفيا على أرض الواقع المنصة الأبرز للدفاع عن مصالح تجار الأراضي والعقار. أتى هذا النجاح والتقدم اللافت للجان العقارية، بعد فشلها التام طوال أكثر من ستة أشهر في اختراق مؤسسة النقد العربي السعودي، لأجل ثنيها بالدرجة الأولى عن قرار تحديد نسبة الحد الأعلى للتمويل العقاري البالغة 70 في المائة، مقابل أن يدفع المشتري نسبة الـ 30 في المائة كمقدم لإجمالي التمويل، وحينما لم تجد تلك اللجان من مؤسسة النقد أي استجابة، وهو التصرف والقرار الصائب من مؤسسة النقد، قامت اللجان العقارية بعد الخيبة التامة لمساعيها بتركيزها تجاه وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، وكان لها حتى تاريخه ما أرادت حرفيا. إلا أن أخطر تلك القرارات المزمع أن يصدرها صندوق التنمية العقارية؛ هو قيامه بدفع نسبة الـ 30 في المائة المشترطة كدفعة أولى لمؤسسات التمويل العقارية، الذي يعني إنفاذه إسقاطا تاما لأنظمة ولوائح التمويل التي تشرف عليها مؤسسة النقد، ويعني أيضا تورط صندوق التنمية العقارية في كشف النظام المالي على مخاطر وتشوهات السوق العقارية، ويعني أيضا تورطه في تسريع تضخم أسعار الأراضي والعقارات، ومن ثم سقوطها بصورة معاكسة لن ينجو من آثارها السلبية أي طرف، وأول تلك الأطراف التي ستتحملها هو النظام المالي السعودي، الذي ظل محافظا على قوته ومتانته طوال نصف قرن من الزمن. الأمر الإيجابي الوحيد بالنسبة للمواطن في مواجهة هذه الاتفاقيات والقرارات الصادرة عن كل من الإسكان والصندوق، التي لا تتجاوز في غلافها الخارجي سوى احتضان مستسلم بالكامل لتوصيات اللجان العقارية؛ أن إنفاذها يتوقف على قبول المواطن المستفيد من عدمه! ففي حال تصدى لها أغلب المواطنين بالرفض وعدم القبول، ستصبح كل تلك الاتفاقيات والقرارات مجرد حبر على ورق. ولهذا سيصبح دور توعية المواطن والمواطنة بخطر تلك الصيغ المستحدثة من الإسكان والصندوق عليه، أمرا بالغ الأهمية القصوى إلى أن يتم إيقافها والعمل على إلغائها نهائيا، وفي الوقت ذاته لا بد من أن تتدخل الجهات الاقتصادية والمالية الأعلى بدورها المسؤول لأجل إصلاح تلك الثغرات الخطيرة. "الكرة" خلال الأجل القصير؛ تقع في يد المواطن والمواطنة، فعدم خضوعه لضغوط الموافقة على أي من تلك الاتفاقيات والقرارات الأخيرة، يعني أولا أنه أنقذ نفسه وأسرته من التورط في شراء أصول عقارية متضخمة الأسعار، وثانيا أنه أنقذ نفسه وأسرته من التورط في تحمل ديون مصرفية طائلة جدا، وثالثا أنه سيسهم في نقل الضغوط من على كاهله إلى كاهل المتسبب في صناعة الأزمة العقارية والإسكانية، وإرغامه على تحمل مخاطر تهاوي الأسعار المتضخمة وحيدا. فما سيرغم المواطن أو المواطنة على شرائه اليوم بأسعار متضخمة جدا، سيجد قريبا أنه سيكون متاحا أمامه شراؤها بنصف هذا السعر إن لم يكن أدنى من ذلك، وسيجد أن حجم الديون الطائلة التي كاد أن يتحملها حتى تاريخ وفاته بعد عمر طويل، لن يضطر أبدا لتحملها بإذن الله تعالى. هذا ما يجب أن يستقر في ذهن كل مواطن ومواطنة يبحثان عن تملك مسكنهما، وأن يتم نشره وبثه إعلاميا وعبر مختلف وسائل الاتصال المعاصرة، وما كل هذا إلا لأجل حمايته من الوقوع فريسة سهلة المنال لتجار الأراضي والعقار. الكلمة الفصل أولا وآخرا، على الرغم من كل الكر والفر الذي تتولاه اللجان العقارية على المستويات كافة، تظل في الوقت الراهن للمواطن فقط! إن هو أجابها بالرفض وعدم القبول، وهو حق مشروع له، فإنه باختصار شديد سيسقط بوعيه الحقيقي بيت العنكبوت الذي تم نسجه حول رقبته ومستقبله. الأمر الأهم في سياق كل ما تقدم؛ أن يدعم ويساند المواطن من بقية الجهات الحكومية الأخرى خارج دائرة وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، وأولى تلك الجهات مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يؤمل أن يبادر كما أثبته من تجارب سابقة بالغة الشجاعة، بالتحرك السريع نحو تصحيح الأوضاع المختلة التي وصلت إليها جهود مواجهة أزمة العقار والإسكان، التي لا تخدم في وضعها الراهن سوى خندق المتسبب في نشوء هذه الأزمة التنموية المعقدة، وفي الوقت ذاته تزيد من الضغوط المعيشية والتنموية على كاهل أفراد المجتمع. أخيرا؛ ليس الهروب من الاعتراف بأن السبب الرئيس وراء الأزمة العقارية والإسكانية، هو الاحتكار واكتناز الأراضي والعقارات الذي أفضى إلى تضخم الأسعار، أؤكد أن هذا الهروب لن يؤدي إلا إلى مزيد من تفاقمها، وإلى مزيد من عواقبها الوخيمة اقتصاديا وماليا وأمنيا واجتماعيا في المستقبل القريب! وأن الطريق الصحيح لمواجهة هذه الأزمة التنموية يبدأ من ضرب الاحتكار والاكتناز برأس الحربة ممثلا بالإسراع في إقرار الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي بدوره سيؤدي لانخفاض الأسعار المتضخمة التي لا يدافع عنها اليوم إلا المتورط فيها والمستفيد منها على حد سواء، وحال تراجعها إلى المستويات العادلة، فلن يصبح لأي من كل هذه الهرولة المتخبطة والعشوائية من أي جهة كانت أي داع! ختاما؛ احذر أخي المواطن، أختي المواطنة، من التورط في اتفاقية من الاتفاقيات الأخيرة، فلن يدفع ثمنها إلا أنت وحدك إلى أن نرى تحركا حقيقيا يخدم مصالحك لا مصالح من تسبب فيما أنت فيه من أزمة وتحديات جسيمة. والله ولي التوفيق.
إنشرها