Author

الطريق الجديد للسوق المالية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تتأهب السوق المالية السعودية لخوض مرحلة جديدة بعد بضعة أيام، تتمثل في السماح للمستثمرين الأجانب المؤهلين بالاستثمار في الأسهم المدرجة بدءا من تاريخ 15 حزيران (يونيو) المقبل، وهي المرحلة المتوقع أن تكتسب من خلالها سيولة إضافية، والأهم من ذلك إضافة خبرات المستثمرين الدوليين المتخصصين إلى السوق المحلية، وتعزيز مساعي الهيئة نحو زيادة الاستثمار المؤسسي، والمساهمة من ثم في الحد من التذبذب الكبير في الأسعار، والوصول إلى مستويات أعلى من حيث تعزيز كفاءة السوق وتحفيز الشركات المدرجة نحو تحسين مستوى الشفافية والإفصاح وممارسات الحوكمة، والمتوقع أن ينتج عنه ارتفاع مستوى البحوث والدراسات والتقييمات حول السوق المالية، بما سيوفر لجميع المتعاملين معلومات أكثر دقة وتقييمات أكثر عدالة. إنها المرحلة التالية الأكثر انفتاحا على الاستثمار الأجنبي، بعد أن تم السماح له مطلع 2008 بالاستثمار في السوق المالية السعودية عبر نافذة اتفاقيات المبادلة، بدأت بتركز استثمارات أجنبية في السوق نهاية 2008 بما لا يتجاوز 12.0 مليار ريال (1.3 في المائة من القيمة السوقية)، ووصلت بنهاية 2014 إلى نحو 45.6 مليار ريال (2.5 في المائة من القيمة السوقية)، ووفقا للتجربة السابقة طوال الأعوام السبعة الماضية 2008 ـــ 2014 لم تكن آثار هذا الانفتاح المقيد على الاستثمار بتلك الدرجة المؤثرة، قياسا إلى ضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي، ومحدودية قدرته على أداء السوق والشركات مقارنة بالمعايير الجديدة. قد يكون من الصعب في الوقت الراهن تقدير حجم الاستثمارات المحتمل دخولها خلال الفترة المقبلة، والآثار التي قد تترتب عليها، إلا أنه من المهم الإشارة هنا إلى عديد من المزايا الجاذبة للاستثمار الأجنبي تجاه الاقتصاد السعودي، وأنها ترتقي إلى درجة جيدة جدا، نتج عنها في المجمل تجاوز حجم الاستثمار الأجنبي بأنواعه كافة مع نهاية 2014 سقف الـ 1.02 تريليون ريال (الاستثمار المباشر في داخل الاقتصاد 809.7 مليار ريال "78.9 في المائة من الإجمالي"، استثمارات الحافظة 45.6 مليار ريال "4.4 في المائة من الإجمالي"، استثمارات أخرى 170.95 مليار ريال "16.7 في المائة من الإجمالي")، هذا بغض النظر عن الجدوى من تلك الاستثمارات الأجنبية بالنسبة للاقتصاد الوطني، وتحديد الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يشكل ثمانية أعشار الاستثمارات الأجنبية في بلادنا. في ضوء ما تقدم؛ يتوقع في حال تضاعف حجم الاستثمار الأجنبي في السوق المالية السعودية على أقل تقدير خلال أول عامين، أن تكون محفزة بدرجة مقبولة لن ينتج عنها تضخم مفاجئ لأسعار أصول السوق، إلا أنها ستسهم في زيادة اجتذاب نسبة أكبر من الثروات المحلية تجاه السوق، وهو ما سيكون محل مراقبة واهتمام المجتمع الاستثماري محليا بصورة أكبر. لكي تكون النظرة إلى توقعات أداء السوق المالية خلال الفترة المستقبلية المقبلة، يجب أن تقرأ من خلال إطار أوسع يأخذ في عين الاعتبار عديدا من المتغيرات المحلية والعالمية، التي لا يمكن تقدير تلك التوقعات بالنسبة للسوق المالية خارج تلك المتغيرات، أحاول تلخيصها على عجل فيما سيأتي. على المستوى المحلي؛ معلوم ضيق قنوات الاستثمار وتوظيف المدخرات، وتركز أغلبها في السوقين المالية والعقارية، وإن كانت الأخيرة قد حظيت بالنسبة الكبرى من المدخرات طوال فترة ما بعد انهيار السوق المالية نهاية شباط (فبراير) 2006، وهو ما نتج عنه تواضع أداء السوق المالية طوال تلك الفترة، مقابل الانتعاش الكبير للسوق العقارية. وفي الوقت الذي يشهد الاقتصاد الوطني عددا من المستجدات الواسعة، بدءا من تراجع سعر النفط، وتقلص إيرادات الميزانية العامة، وبدأ التفكير في تمويل العجز المتوقع في الميزانية الحكومية من خلال إصدار سندات وصكوك الدين، إضافة إلى بدء الدولة في تصحيح ومعالجة تشوهات السوق العقارية، التي ترتبت على وجود تلك التشوهات (احتكار الأراضي البيضاء والمتاجرة الساخنة عليها) من تضخم كبير في الأسعار، وتفاقم أكبر للأزمة الإسكانية في البلاد، يتوقع أن يسفر عن تلك التطورات المهمة جدا تغييرات جذرية بين كفتي الميزان هنا (السوق المالية، السوق العقارية)، عدا التغييرات الأهم داخل كل من السوقين. فالسوق المالية بصورة عامة (تحديد سوق الدين) مقبلة على فترة رواج، ستمنحها جاذبية أكبر لاجتذاب حصص أكبر من السيولة المحلية بغض النظر عن تدفقات الاستثمار الأجنبي، في المقابل ستواجه السوق العقارية التي تخضع لركود في نشاطها منذ نحو ثمانية أشهر مضت، أقول ستواجه البدء العملي لتطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني، بدأت آثاره مسبقا ويتوقع أن تزداد مستقبلا، ما سينتج عنه تحول داخلي للسيولة العقارية من الاكتناز والمضاربة على الأراضي، وتحولها إما إلى الاستثمار في مجال التطوير العقاري، وإما الخروج من السوق والاتجاه إلى قنوات استثمارية بديلة، وقد تكون السوق المالية الوجهة القادمة بالنسبة لها للثروات المتوسطة فما دون، فيما ستحتل "الصكوك" المزمع إصدارها من الحكومة موقعا مهما لأصحاب الثروات الأكبر، التي حظيت بفرص معدومة التكلفة عبر تخزينها في مساحات شاسعة من الأراضي، أدت إلى نمو قيمتها الرأسمالية بصورة غير مسبوقة، ولأن المستقبل بما يحمله من توجهات للدولة تجاه الأراضي البيضاء تحديدا، لن يكون نسخة من الفترة الذهبية الماضية للعقار، ما سيسفر عن عدم قدرة ملاك تلك الثروات الهائلة المخزنة في الأراضي من تحمل تكلفة الرسوم، وفي الوقت ذاته ستتوافر أمامها فرص تتمتع بحماية أكبر لرأس المال ممثلا في السندات والصكوك الحكومية بمعدلات عائد سنوية جيدة، سيؤدي كل ذلك إجمالا إلى قيامهم بتبديل مراكزهم الاستثمارية بإحلال الصكوك والسندات محل الأراضي، وهو الأمر الإيجابي دون شك سواء على مستوى الاقتصاد الوطني، الذي سيحظى بتمويل العجز المالي الحكومي المتوقع للأعوام المقبلة، وفي الوقت ذاته سينعكس على تحرير المزيد من الأراضي البيضاء من الاكتناز والاحتكار، ودخولها في قنوات التطوير والإحياء، وهو الأمر الذي سينتج عنه دون شك تراجع الأسعار المتضخمة للأراضي والمساكن، ويسهل بدوره من حل الأزمة الإسكانية الراهنة. وعلى المستوى العالمي؛ يحظى الاقتصاد الوطني بعديد من المزايا مقارنة بالتقلبات الخارجية في أغلب أنحاء العالم، وارتفاع درجات المخاطرة في أسواق تلك البلدان المنافسة، وهذا بدوره سيسهم في زيادة اجتذاب السيولة الوطنية المهاجرة قبل أن يجتذب الاستثمار الأجنبي، والحديث هنا يتمحور حول سيولة هائلة جدا للاقتصاد الوطني خارج الحدود، وصل حجمها حتى نهاية 2014 إلى أكثر من 4.2 تريليون ريال (الاستثمار المباشر في الخارج 267.3 مليار ريال، استثمارات الحافظة 761.0 مليار ريال، استثمارات أخرى 454.7 مليار ريال، الأصول الاحتياطية 2.7 تريليون ريال). لا يوجد أحكام حتمية في هذا الجانب، تقرر عودة تلك الثروات الهائلة، بقدر ما أنه تغيير حقيقي حدث وسيستمر مستقبلا في العوامل التي أفضت إلى وقوفنا على الوضع الراهن، سواء محليا أو عالميا، لا بد أن يؤدي ذلك التغيير إلى ترك آثاره على المشهد الراهن، وهو ما يتطلب حديثا أوسع وأعمق خلال الفترة المقبلة. والله ولي التوفيق.
إنشرها