Author

«منتخب» الـ «فيفا» في مونديال الفساد

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الفساد مثل كرة الثلج. عندما تبدأ بالدوران تبدأ بالتضخم" تشارلز كولتن رجل دين وكاتب إنجليزي راحل الحملة الأمريكية الجديدة ضد مجلس إدارة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، ليست بريئة، من حيث توقيتها. لكنها بالتأكيد محقة من ناحية قيمتها. أراد الأمريكيون أن يوجهوا ضربة لرئيس الـ"فيفا" جوزيف بلاتر قبل انتخابات الرئاسة، على أمل أن يجبر هذا العجوز على الانسحاب من سباق الرئاسة. لكنه نجح بصرف النظر عن حجم الأصوات التي حصل عليها، وهي أقل مما كان يأمل. نجح في الواقع، نتيجة وقوف "المعسكر" الآسيوي في الـ"فيفا" إلى جانب بلاتر ضد "المعسكر" الأوروبي فيها. التأييد الآسيوي لم يشكل مفاجأة لأحد، لأنه معلن، إلا أن المفاجأة تكمن في هذا التأييد الذي استمر حتى بعد حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات السويسرية لعدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد الدولي وهم نائمون في فندقهم الفاخر في زيورخ. أيضا الغرابة لا تكمن هنا، إذا ما عرفنا أن اثنين من نواب بلاتر كانا من بين المعتقلين. ففي البلدان الراشدة، يكفي تورط موظف واحد في مؤسسة أو حكومة بقضية فساد واحتيال وابتزاز وغسيل أموال، لكي يتقدم رئيسه بالاستقالة. صحيح أن هذا التورط لا يزال في نطاق الاتهام، لكن الصحيح أيضا الشبهات التي تحوم حول الجسم الإداري لـ"فيفا" منذ سنوات، وليس قبل أيام. ما دفع مسؤولين كبارا في الاتحاد الدولي، للطلب علانية من بلاتر بالاستقالة، وترك الميدان لدماء أخرى جديدة، لا تقود الـ"فيفا" فحسب، بل تعمل على استعادة سمعة هذه المؤسسة العالمية الكبرى. خصوصا أن المخالفات التي يجري الحديث عنها ارتكبت في الواقع قبل سنوات طويلة. أي أنها متأصلة في سلوكيات الـ"فيفا" في الفترة التي تربع بلاتر على عرشها. هذه الاعتقالات لم تكن مرتبطة بقضية ملفي تنظيم مونديالي 2018 في روسيا و2022 في قطر، لكنها دفعت السلطات السويسرية إلى الإعلان عن فتحها تحقيقا في هذين المونديالين. إلا أن النقطة الأهم، هي تلك الخاصة بتورط مسؤولين كبار جدا في الـ"فيفا"، في قضايا الفساد والابتزاز وغسيل الأموال. والمسألة أخذت أبعادا أكبر أيضا بتورط مسؤولين في شركات هائلة الحجم توفر على مدة سنوات رعاية للاتحاد الدولي لكرة القدم، لاسيما في نشاطه الأبرز وهو المونديال. قد يكون بلاتر، واثقا من نفسه بأنه لم يرتكب مخالفات طوال السنوات التي حل فيها رئيسا لهذه المؤسسة. لكن كيف يمكن الوثوق برئيس ارتكب في عهده كل هذه المخالفات الخطيرة، دون أن يدري؟! وعدم الدراية هنا، تمثل بحد ذاتها مخالفة إدارية كبيرة جدا. وبعيدا عن التوصيفات الدرامية لاعتقالات زيورخ، التي صدرت عن شخصيات رياضية عالمية بارزة، نحن أمام اتحاد دولي رياضي، حان الوقت لفتح ملفاته لاسيما المالية منها. في مؤسسات كهذه، كل شيء يكون واردا فيها. السيئ والجيد. ففي التاريخ مرت اتحادات رياضية وطنية بمراحل مشابهة، حتى اللجنة الدولية الأولمبية أصابها في السابق ما يصيب الـ"فيفا" حاليا، إلى درجة أن أعلن رئيسها توماس باخ من على منبر الاتحاد الدولي لكرة القدم، دعوة لهذا الأخيرة للتعلم من تجربة الحركة الأولمبية. لا يكفي، أن يقول بلاتر، إن "اعتقال سبعة من كبار المسؤولين في الفيفا، جلب العار والفضيحة للمنظمة الدولية". هذا العجوز، ليس مراقبا ولا محللا، إنه رئيس مباشر لكل من اعتقلته السلطات السويسرية، ولأولئك الذين تجري ملاحقتهم في الوقت الراهن. فالتغيير صعب ومؤلم أحيانا، لكنه حتمي. وإذا ما نظرنا إلى الوضعية المالية للاتحاد الدولي لكرة القدم، فإننا نقف أمام مؤسسة ثرية ذات مصالح متشعبة. ولأنها منظمة غير ربحية ومعفية من الضرائب، فهي أكثر عرضة للمساءلة من غيرها. ومن حق العالم أن يعرف تفاصيل التفاصيل فيها. وطبقا للبيانات المتوافرة، فقد حققت الـ"فيفا" إيرادات على مدى أربع سنوات بلغت 5.7 مليار دولار، من بينها 2.4 مليار دولار هي عبارة عن حقوق البث التلفزيوني. وقد وصلت عوائد حقوق بيع التذاكر (على سبيل المثال) في آخر دورة لكأس العالم إلى 527 مليون دولار. وهناك المؤسسات الراعية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي الدورة المشار إليها التي جرت في البرازيل العام الماضي، بلغت عوائد "فيفا" 2.6 مليار دولار. أي نحن أمام منظمة بمداخيل هائلة قياسا بـ"المنتج" الذي تقدمه. من الطبيعي أن يستقيل بلاتر، ليس لأنه متورط باتهامات خطيرة للغاية، بل لكونه المسؤول الأكبر في الاتحاد. لكن يبدو أنه من أولئك الذين يحبون الموت على الكرسي وليس في السرير. كما أنه ماض في تحدي الكثير من الأصوات البارزة التي طالبته بالانسحاب. غير أن الخمس سنوات المقبلة التي انتخب لها، قد لا تستوفي مدتها، مع تصاعد الضغوط عليه، ومع انتظار العالم لانكشاف تفاصيل الاتهامات الموجهة لأركان مجلس إدارة الـ"فيفا". ففي التفاصيل (كما قيل في التاريخ يوما) يكمن الشيطان. ولا شك، أن بلاتر يعرف ذلك تماما.
إنشرها