Author

وشم على جدار الذاكرة

|
هناك أشخاص يمرون بحياتك ويتركون أثرا عظيما كوشم في ذاكرتك لا يمحوه الزمن. أحد هؤلاء شخص التقيته قبل سنوات عدة في الطائرة. تحدثنا طويلا خلال الرحلة. بعد الرحلة كتب لي رسالة غزيرة يعلق فيها على كل نقطة تحدثنا فيها بإسهاب. أحببت فيه الاهتمام بالتفاصيل. توطدت علاقتنا أكثر بعد ذلك. أصبح أحد أهم الأصدقاء الذين أتشبث بهم. صار اتصالي به مثل الحبل الذي تمسكه فيرفعك عاليا. ينتشلك من القاع إلى الأعلى. تعلمت منه الكثير. أبرز ما تعلمته منه أنه عندما ينتهي من أي لقاء وحوار وعمل مع أي شخص يختتمه برسالة نصية توثق بداية هذه العلاقة. كما لا يحفظ الأرقام في الجوال مثلما نفعل. يقوم بشيء مميز. يكتب إضافة إلى الاسم كنية الشخص وكذلك أسماء أطفاله أو والديه. ويحرص كلما اتصل على أي شخص أن يلقى تحية بالاسم على أب وأم وطفل ذلك الشخص. كثير منا يقوم بسؤال الآخرين عن أحوال والديهم. لكن لا نفعل ذلك بدقة. هو يشعرك أنه يعنيها، وليس كما نفعل نقترف هذا الفعل ميكانيكيا. إذ يمنح الأشياء التي نفعلها بشكل تقليدي لمسة إنسانية ساحرة وأخاذة جعلت منه مذهلا ومبدعا ومختلفا في تواصله. ولا يتوقف إبداعه الإنساني عند هذا الحد. فهو يضع ملفات خاصة في جواله مرتبطة بكمبيوتره لمعظم من يعرفهم. يضع فيها كل ما يعرفه عنهم. سألته مرة لمَ يفعل كل هذا؟ لمَ يتكبد هذا العناء؟ أجاب عليّ بأنه يحتفظ بالكثير من الملفات عن مواضيع ومشاريع مختلفة، لذلك حرص أن يحتفظ بمن هم أغلى وهم أصدقاؤه. واظبت منذ أن اقتربت من هذا الرجل على محاولة أن أقتفي أثره. أواجه تحديات جسيمة في تشييد هذه الملفات لكن على الأقل أحاول، وبدأت في ادخار أصدقائي في أجهزتي. ادخروا أحبتكم. واعتنوا بهم. وجودهم في ملفاتكم بذرة لمشاريع كبيرة ستجمعكم أهمها تشيد علاقة أقوى نحتاج إليها في أيامنا البيضاء المقبلة. توقفوا عن الترحيب النمطي وأشرعوا في الترحيب الحار الحقيقي الذي يجعلكم أكثر صدقا.. يجعلكم بشرا تسكنون على جدران الذاكرة.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها