العالم

مخاوف من «حرب إلكترونية» تسير على خطى الحروب النووية

مخاوف من «حرب إلكترونية» تسير على خطى الحروب النووية

مخاوف من «حرب إلكترونية» تسير على خطى الحروب النووية

في الشهر الماضي استضافت هولندا المؤتمر العالمي للفضاء السيبراني "الإلكتروني" لعام 2015، الذي جمع ما يقرب من 2000 من المسؤولين الحكوميين والأكاديميين وممثلي الصناعات، وغيرهم. حيث تولى الباحث والكاتب الأمريكي جوزيف س. ناي الأستاذ في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأمريكي؟" رئاسة لجنة من المختصين لمناقشة الفضاء الإلكتروني والأمن، وقد ضمت اللجنة نائب رئيس شركة مايكروسوفت واثنين من الوزراء الأجانب. وكان هذا المؤتمر الذي ضم أطرافاً متعددة من أصحاب المصلحة هو الأحدث في سلسلة من الجهود الرامية إلى إرساء قواعد الطريق من أجل تجنب الصراع السيبراني. #2# ويشير ناي في مقالة له بعنوان "معايير دولية في الفضاء الإلكتروني" إلى أن القدرة على استخدام الإنترنت لإلحاق الضرر أصبحت الآن راسخة ثابتة. ويعتقد عديد من المراقبين أن الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية كانتا وراء الهجوم السابق الذي دمر أجهزة طرد مركزي في منشأة نووية إيرانية. ويقول البعض "إن هجمة حكومية إيرانية هاجمت آلاف أجهزة الحاسوب في "أرامكو" السعودية". وهناك من يتهم روسيا بشن هجمات "الحرمان من الخدمة" على أستونيا وجورجيا. وفي كانون الأول ديسمبر الماضي، عزا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الهجوم على شركة أفلام سوني إلى حكومة كوريا الشمالية. حتى وقت قريب كان الأمن السيبراني "الإلكتروني" حِكراً إلى حد كبير على مجموعة صغيرة من مختصي الحاسوب. عندما تم إنشاء شبكة الإنترنت في سبعينيات القرن العشرين، شَكَّلَ أعضاؤها قرية افتراضية، فكان الجميع يعرفون بعضهم بعضا، ومعاً صمموا نظاماً مفتوحاً لم يكن يهتم بالأمن إلا قليلا. ثم ظهرت في أوائل التسعينيات، يضيف ناي، الشبكة العنكبوتية العالمية، وتنامت من بضعة ملايين من المستخدمين آنذاك إلى أكثر من مليار مستخدم اليوم. وفي غضون ما يزيد على الجيل قليلا، أصبحت شبكة الإنترنت الركيزة الأساسية للاقتصاد العالمي والحوكمة في مختلف أنحاء العالم. وستضاف عدة مليارات أخرى من المستخدمين في العقود التالية، فضلاً عن عشرات المليارات من الأجهزة "المتصلة بالإنترنت" التي تراوح بين منظمات الحرارة إلى أنظمة التحكم الصناعية. وكل هذا الترابط المتعاظم يعني ضمناً نشوء نقاط الضعف التي تستطيع الحكومات أو الجهات الفاعلة غير الحكومية استغلالها. وفي الوقت نفسه، بدأنا للتو نتصالح مع العواقب المترتبة على ذلك فيما يتصل بالأمن الوطني. الواقع أن الدراسات الاستراتيجية للمجال السيبراني "الإلكتروني" تشبه الاستراتيجية النووية في الخمسينيات: فالتحليلات لا تزال غير واضحة حول معنى الهجوم، والدفاع، والردع، والتصعيد، والمعايير، والحد من التسلح. ويُستَخدَم مصطلح "الحرب الإلكترونية" على نحو غير محكم على الإطلاق لوصف مجموعة واسعة من السلوكيات بدءاً من الاستطلاعات البسيطة وتشويه المواقع والحرمان من الخدمة إلى التجسس والتدمير. وهو في هذا يعكس تعريفات القواميس لكلمة "حرب"، التي تشمل أي جهد منظم "لوقف أو إلحاق الهزيمة بشيء يُنظر إليه باعتباره خطرا أو سيئا" (على سبيل المثال "الحرب على المخدرات"). والتعريف الأكثر نفعاً للحرب الإلكترونية هو أي عمل عدائي في الفضاء الإلكتروني بضخامة أو يعادل تأثير العنف البدني الجسيم. وتحديد ما إذا كان عمل ما يلبي هذا المعيار قرارا لا يستطيع أن يتخذه سوى الزعماء السياسيين لدولة ما. وهناك أربع فئات رئيسية للتهديدات الإلكترونية للأمن الوطني، وكل منها تحتل فترة زمنية مختلفة وتتطلب "من حيث المبدأ" حلولاً مختلفة: الحرب الإلكترونية والتجسس الاقتصادي، وهو ما يرتبط إلى حد كبير بالدول، وفئة الجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني، وهو ما يرتبط في الأغلب بجهات فاعلة غير تابعة لدولة. وتنبع أعلى التكاليف حالياً من التجسس والجرائم، ولكن الفئتين الأخريين ربما تصبحان أعظم تهديداً على مدى العقد المقبل مقارنة بحالهما اليوم. وعلاوة على ذلك، مع تطور التحالفات والتكتيكات، ربما تتداخل الفئات بشكل متزايد. أثناء الحرب الباردة، كانت المنافسة الأيديولوجية سبباً في تقييد التعاون بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، ولكن إدراك الجانبين للدمار النووي قادهما إلى وضع مدونة سلوك بسيطة لتجنب المواجهة العسكرية. وكانت قواعد الحيطة الأساسية هذه تشمل عدم الدخول في قتال مباشر، والامتناع عن الاستخدام الأول للأسلحة النووية، واتصالات الأزمة، مثل الخط الساخن بين موسكو وواشنطن، وتدابير الحوادث، واتفاقيات حوادث البحر. كان أول اتفاق رسمي للحد من التسلح في عام 1963 هو معاهدة حظر التجارب النووية المحدودة، التي يمكن اعتبارها في الأساس معاهدة بيئية. وكان الاتفاق الرئيسي الثاني معاهدة منع الانتشار النووي في عام 1968، التي كانت تهدف إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية. وكانت نظرة الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إلى الاتفاقيتين باعتبار كل منهما صفقة تعود بالفائدة على الجميع، لأنها شملت الطبيعة أو أطرافا ثالثة. وعلى نحو مماثل، يؤكد جوزيف ناي في مقاله، كانت المجالات الواعدة للتعاون الدولي المبكر حول تأمين الفضاء الإلكتروني هي المشكلات التي تفرضها أطراف ثالثة مثل المجرمين والإرهابيين. وقد سعت روسيا والصين إلى إبرام معاهدة للإشراف الواسع النطاق من قِبَل الأمم المتحدة على الإنترنت. ورغم أن رؤية البلدين "لأمن المعلومات" قد تضفي الشرعية على الرقابة الحكومية الاستبدادية، وهي بالتالي غير مقبولة لدى الحكومات الديمقراطية، فربما كان من الممكن تحديد واستهداف السلوكيات التي هي غير قانونية في أي مكان. والحد من كل الانتهاكات أمر مستحيل، ولكن من الممكن أن نبدأ بالجريمة الإلكترونية والإرهاب الإلكتروني. والدول الكبرى لديها مصلحة في الحد من الضرر من خلال الاتفاق على التعاون في دراسة عناصر الجريمة والضوابط. إن القياسات والمقارنات التاريخية غير دقيقة وغير كاملة بطبيعة الحال. ومن الواضح أن التكنولوجيا السيبرانية تختلف تماماً عن التكنولوجيا النووية، خاصة أن الجهات الفاعلة غير الحكومية من الممكن أن تستغلها بسهولة كبيرة. ورغم هذا فإن بعض المؤسسات -الرسمية وغير الرسمية- تحكم بالفعل العمل الأساسي لشبكة الإنترنت. فتعتزم الولايات المتحدة تعزيز دور مؤسسة الإنترنت غير الحكومية للأسماء والأرقام المخصصة (آيكان) بتكليفها بالإشراف على "دفتر عناوين" الإنترنت. وهناك أيضاً اتفاقية جرائم الإنترنت التي أقرها مجلس أوروبا في عام 2001، حيث يعمل الإنتربول واليوروبول على تسهيل التعاون بين قوات الشرطة الوطنية. وكانت مجموعة الأمم المتحدة للمختصين الحكوميين تعكف على تحليل كيفية ارتباط القانون الدولي بالأمن الإلكتروني. ويختم ناي المقال مرجحا أن يستغرق إبرام الاتفاقيات بشأن القضايا الخلافية مثل الاقتحام الإلكتروني لأغراض مثل التجسس وإعداد ساحة المعركة وقتاً أطول. ورغم ذلك فلا ينبغي لعدم القدرة على تصور اتفاقية شاملة للحد من التسلح الإلكتروني أن يمنع التقدم بشأن بعض القضايا الآن. إن المعايير الدولية تميل إلى التطور ببطء. فقد استغرق الأمر عقدين من الزمان في حالة التكنولوجيا النووية. وكانت الرسالة الأكثر أهمية التي أبرزها المؤتمر الهولندي الأخير هي أن نقاط الضعف الإلكترونية الهائلة تقترب الآن من هذه النقطة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم