Author

الماء.. ما هو الماء؟

|
الماء.. الكل يعرفه لكن لا أحد يفهمه.. يعرفه رجل الشارع تمام المعرفة ويحار في تفسيره العلماء، والمهندسون.. ذرتا هيدروجين وأكسجين فقط.. بساطة متناهية في التركيب والمظهر مع صعوبة بالغة في الأهمية والمخبر. الماء.. يحيط بنا من كل جانب ومع ذلك لا يستطيع 40 في المائة من سكان الأرض (1.8 بليون) الحصول عليه بيسر.. يجدون في السير يوميا للحصول على كفاف يومهم من الماء.. ثلاثة أرباع كوكبنا (الأزرق) مغطى بالماء لكننا لا نستطيع شرب سوى 1 في المائة منه فـ97.3 في المائة من المياه مالحة و1.7 في المائة عذبة، لكن يتعذر الحصول عليها لوجودها في الجبال الجليدية. يذكر هذا الوضع بترنيمة البحارة – قصيدة الإنجليزي صامويل كوليردج الشهيرة: يوم بعد يوم عالقون بلا أنفاس ولا حركة جامدون كسفينة هامدة.. في محيط هامد ماء.. ماء.. في كل مكان والأشرعة ذبلت ماء.. ماء.. في كل مكان ولا قطرة واحدة للشرب الماء.. يجله المسلمون ويصلون صلاة خاصة لأجل الحصول عليه، بل لا تصح صلاتهم هذه أو غيرها قبل التطهر به.. لم يسلم هو الآخر من التصنيف فمنه الطاهر والطهور وآخر منه النفور.. ضرب جبريل الأرض بجناحه فزم الماء زما وخرج خير ماء الأرض، ذكره القرآن كثيرا كأساس للحياة وضربه كمثل لإعادة بدء الحياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي) (كذلك نحيي الموتى) والمعنى نفسه موجود في الإنجيل الذي ذكر فيه الماء 722 مرة. يتبرك به المسيحيون لتبدأ به حياتهم الدينية (فيعمدون) أبناءهم به. أما الهندوس فقد غلوا فيه حتى أن (غطسة) واحدة في مياه نهر الغانج - أقدس أنهارهم - تخرج أحدهم من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وفي البوذية تشبه رحلة الإنسان من الولادة حتى بلوغه الآخرة برحلة قطرة الماء التي تنزل من السحاب وتجري في النهر حتى تستقر في مآلها الأخير في البحر. الماء.. أساس الحياة وضرورة البقاء، ننقيه لنشربه فالملوث منه قد يتسبب في مرضنا والنقي جدا منه قد يقتلنا، أما الصحي فليس ضروريا لبقائنا على قيد الحياة فقط، بل قد يطيل حياتنا – بإذن الله. في النصف الأول من القرن العشرين، ارتفع متوسط عمر الفرد الأمريكي من 47 إلى 63 سنة بسبب توافر ماء نقي كما خلص إليه الباحثون. ولهذا فنظرة سريعة إلى معدل استهلاك الماء للفرد في أي دولة، يمكن أن يعطي انطباعا سريعا عن مدى تقدم البلد. ففي أمريكا، يستهلك الفرد نحو 151 جالونا يوميا في حين لا يتجاوز الرقم نفسه خمسة جالونات في معظم إفريقيا! وفي بانغالور الهندية – حيث احتفلت الهند بنجاح إطلاق صاروخ الفضاء تشاندريان-1 بالتعاون مع ناسا الذي تمكن من إيجاد كميات كبيرة من المياه في فوهات سطح القمر- لا يحصل العلماء والمهندسون الذين أشرفوا على صناعة ومراقبة الصاروخ على الماء سوى لأربع ساعات ونصف الساعة يوميا.. معدل يعد محل حسد الكثيرين في الهند الذين لا يحصلون على الماء سوى لساعة أو أقل يوميا. وفي حين لا تهم (الجنسية) في كمية الماء التي يحتاج إليها أو يحملها الجسم، تختلف هذه الكمية حسب (الجنس). ففي حين يمثل الماء 60 في المائة من جسم الرجل، تهبط هذه النسبة إلى 50 في المائة في جسم المرأة. والسبب يعود إلى أن الأنسجية الدهنية – التي غالبا ما توجد في النساء أكثر- لا تحمل الكثير من الماء. علماء الكيمياء مندهشون لتلك القدرة المائية العجيبة على إذابة و(استيعاب) كل شيء تقريبا، مركبات أخرى تشبهه في التكوين الكيميائي (كبريتيد الهيدروجين كمثال) لكنها لا تشبهه أبدا في المفعول.. شتان ما بين الاثنين، فالماء لا تستقيم حياة الجسد إلا بشربه، أما كبريتيد الهيدروجين فلا تدوم الحياة بعد استنشاقه إلا دقائق معدودة. علماء الفيزياء لم يفهموا كيف يطفو في حالته الصلبة، بعكس جميع المواد المعروفة للبشر التي تنزل إلى أسفل عندما تتجمد... لكنّ علماء الأحياء مقتنعون تماما بأن تلك القدرة على الطفو ساعدت على بقاء الحياة البحرية، بل وتطور الحياة على الكوكب ككل. علماء الفلك في بحث دائم عن الماء في الفضاء.. بحث لم يكن ممكنا لولا الماء الذي ساعد في انطلاق الصواريخ الفضائية في الأساس، فقبل إطلاق صواريخ الفضاء من محطاتها الأرضية بـ16 ثانية، يتدفق ما يقرب من بليون لتر من الماء من خزان بارتفاع مائة متر إلى أسفل منصة الإطلاق. الهدف من هذه الكمية الضخمة من المياه هو امتصاص الصوت الهادر من محركات صواريخ الفضاء، فلولا الماء لارتد الصوت من الأرض الصلبة محطما الصاروخ بالكامل! الماء.. أقدم ما وجد على هذا الكوكب (يقدر عمر الماء بـ4.5 بليون سنة أي أنه قريب من عمر النظام الشمسي المقدر بـ4.6 بليون سنة) لكن لا أحد يعرف من أين أتى كل هذا الماء أو كيف وصل إلى هنا! فعلماء الفلك يعتقدون بنشأته في الفضاء الخارجي (في الغبار الكوني للنجوم) لكنهم يجهلون طريقة وصوله إلى كوكبنا. أما علماء الجيولوجيا فيعتقدون أنه أتى من باطن الأرض عن طريق البراكين.. الخلاصة وبعد 4.5 بليون سنة ما زلنا لا ندري كيف نشأ؟ وأين نشأ؟ ولا كيف وصل إلينا؟ ولا حتى ما هو؟ لكننا نعلم علم اليقين أننا لا نستطيع الاستغناء عنه.
إنشرها