Author

أين نحن من موجة انخفاض أسعار الغذاء؟

|
تتابع التقارير العالمية استمرار موجة انخفاض أسعار الغذاء العالمية، فقد كشف تقرير منظمة الأغذية والزراعة "فاو"؛ التابعة للأمم المتحدة، تراجع أسعار الغذاء العالمية لأدنى مستوى منذ حزيران (يونيو) 2010، مع انخفاض أسعار معظم السلع بقيادة الألبان. ووفقا لما نشره الموقع الإلكتروني للمنظمة، فقد بلغ متوسط مؤشر أسعار الغذاء 171 نقطة في نيسان (أبريل)، متراجعا 2.1 نقطة (1.2 في المائة) عن مستوياته في الشهر السابق عليه، و40.5 نقطة (19.2 في المائة) عن مستوياته في نيسان (أبريل) 2014، فيما سجل المؤشر أعلى تراجع له في أسعار منتجات الألبان، وانخفضت أيضا أسعار السكر والحبوب والزيوت النباتية. بالتأكيد فإن مثل الاتجاه يعزز كثيرا من حالة الاستقرار التي يسعى للعودة إليها كثير من دول العالم بعد موجة الارتفاعات الكبيرة خلال منتصف العقد الماضي التي قادت إلى أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية في العالم أجمع. كما يتضح من هذا التراجع تلك العلاقة بين أسعار الغذاء العالمية وأسعار النفط، فلقد قاد الارتفاع الكبير في أسعار النفط إلى ارتفاعات مماثلة وعنيفة في أسعار الغذاء، والسبب بلا شك، هو في ارتباط جميع الصناعات الغذائية بأسعار الطاقة، إضافة إلى اعتماد كثير من المنتجات الزراعية على المنتجات البتروكيماوية في الزراعة كذلك ما تستهلكه المعدات الزراعية من طاقة، كل هذا يجعل التغير البسيط في أسعار النفط يقود إلى تغير معدل أكبر في أسعار الغذاء، وهذا يقودنا إلى تساؤل مهم جدا حول مدى تأثرنا –كدول منتجة للنفط بشكل أساسي- سلبا وإيجابا بارتفاع أسعار النفط. من الواضح أن الدخل العام للدولة وبالتالي قدرة الحكومة على الإنفاق تتعاظم كلما ارتفعت أسعار النفط، لكننا –بسبب العلاقة بين ارتفاع أسعار النفط وأسعار الغذاء– نجد أن قدرة المواطن على الشراء تتأثر عكسيا بارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وغيرها، لهذا فإن المواطن يشعر بكثير من الضغوط المالية كلما ارتفعت أسعار النفط ولم تنعكس بالزيادة على دخله بطريقة تتناسب مع ارتفاع أسعار الغذاء وفي المقابل يستفيد كثير من رجال الأعمال بسبب ارتفاع أسعار المنتجات أو من خلال ما يحصلون عليه من العقود الحكومية والمقاولات، لكن في حالة تراجع أسعار النفط فإن دخل المواطن قد يتأثر سلبا، بينما الأسعار لا تتراجع في الداخل بالاتجاه والمعدلات نفسها التي تتراجع بها الأسعار العالمية أو دخول المواطنين، وهذا بسبب احتفاظ التجار بالمستويات السعرية التي أسستها السلع المختلفة عند فترة الارتفاع. هكذا نجد في الوقت الذي تتراجع فيه أسعار الغذاء في العالم تحافظ الأسعار لدينا على مستوياتها السابقة، بحجج وقتية متعددة، لكن الملاحظ هو مرور فترة طويلة منذ أن انخفضت الأسعار العالمية بينما لم تستجب الأسعار في الداخل بالنسبة نفسها أو قريب منها، بل إن بعض السلع عاودت الارتفاع، كما أوضحت التقارير الاقتصادية المحلية. لذا فنحن بحاجة إلى معرفة الأسباب الفعلية وراء عدم استجابة الأسعار المحلية للتراجع كما يحدث عالميا، ذلك أن المواطن العادي يعاني اليوم تآكل مدخراته بسبب هذا الارتفاع وهو ما سيؤثر مستقبلا في قدرته على الادخار ومن ثم تتراجع معدلات السيولة في المصارف، وهذا له آثار اقتصادية جمة في الكثير من القطاعات. وفي ظل حالة عدم التأكد التي تصيب أسواق النفط، فإن من المتوقع أن تتأثر الميزانية العامة للدولة في العام المقبل بالضغوط، وللحفاظ على وتيرة التنمية فقد تترجم هذه الضغوط بتقليص الإنفاق على بعض البنود التي يستفيد منها كثيرون من ذوي الدخل المحدود مباشرة في الراتب الشهري، وهو ما سينعكس على قدرتهم الشرائية حتما، لتخفيف أثر مثل ذلك في المواطنين؛ فلابد أن تستجيب أسعار الغذاء في الداخل للتراجع في الأسعار العالمية، وأن تقوم الوزارات المعنية بتحليل الأسعار لفهم حقيقة ما يحدث في السوق المحلية وتأثيراتها، ومن ثم العمل على معالجة الاختلالات الهيكلية في هذا القطاع.
إنشرها