Author

هل اللجان الوطنية .. وطنية؟

|
أثيرت خلال الأيام الأخيرة قضية اللجنة الوطنية للاستقدام واستقالة أعضائها الجماعية، وكان جوهر الإثارة في "تعارض المهام" الذي تناوله جميع المعترضين والمعلقين، إذ احتوت على الاتهام الضمني للرئيس بتسيير بعض أنشطة اللجنة لمصالح أعماله الخاصة. وهذا الأمر ليس جديدا فهناك الكثير من القضايا الأخرى المتعلقة باللجان الوطنية وأنشطتها التي تمت إثارتها سابقا في مسائل لها علاقة بأسعار الخدمات والمنتجات التي يتكبدها المواطن في النهاية، مثل الألبان والسيارات والأسمنت والمدارس والعقارات. لذا نطرح السؤال: هل ما تمارسه هذه اللجان من أنشطة وأعمال يمثل فعلا التوجه الوطني التنموي الهادف والعادل، أم أنه متحيز نحو فئة معينة من المستفيدين؟ وهل هذا التحيز ينتج بفعل الممارسات الشخصية المخالفة للأنظمة التي تستوجب المساءلة والعقاب، أم أنه نتيجة طبيعية لخلل في التشريعات التي تسير هذه الممارسات؟ تتركز الادعاءات حول القول إن هذه اللجان لا تخدم المستهلك أو المستفيد النهائي من الخدمات أو المنتجات التي يقدمها القطاع. اللجنة الوطنية للاستقدام صعّبت عملية الاستقدام ورفعت الأسعار مقارنة بالدول المجاورة، واللجنة العقارية تعمل على ثني مؤسسة النقد عن تطبيق بعض أنظمة التمويل الجديدة التي يفترض أن تحمي المواطن من مخاطر الدين وتحمي السوق العقارية من الفوضى. هددت كذلك بعض اللجان برفع الأسعار كردة فعل على تكلفة قرارات التوطين في السنوات الأخيرة "مثل الألبان"، بينما يطالب العديد منها بفتح التصدير للدول المجاورة حتى تتجنب كساد المخزون وخسارة أعمالها كـ "الأسمنت والدواجن". وقد أشرت سابقا ("الاقتصادية" 10 يونيو 2014) إلى دفاعية اللجنة الوطنية لوكلاء السيارات المبالغ فيها تجاه استبيانات وزارة التجارة عن رضا مستهلكي السيارات، وأشرت إلى الخلل الواضح في ميزان التأثير بين التاجر والمستهلك الذي يصب لمصلحة التجار وليس المستهلكين؛ لا يوجد ما يمنع أن تتعاظم مصلحة التاجر ويستفيد أكثر ولكن بشرط المحافظة على مصلحة المستهلك كذلك. تعرف لائحة اللجان الوطنية الصادرة من مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية "اللجنة الوطنية" بأنها عبارة عن: "مجموعة من رجال الأعمال.. يجتمعون.. للبحث في المصالح المشتركة والقضايا التي تهم منشآت القطاع.. يتفاعلون بينهم حوارا وتبادل رأي ودراسة لاتخاذ قرارات أو توصيات يرون فيها تحقيقا لرسالة لجنتهم.."، ويستمر التعريف الذي يحدد ضوابط العمل بموجب القواعد والإجراءات التنظيمية التي يضعها مجلس الغرف السعودية. هناك تقريبا 30 لجنة وطنية إضافة إلى قائمة كبيرة من اللجان الأخرى الفرعية ولجان المناظرة المنتشرة في الغرف التجارية والصناعية. لا تقع المشكلة في الادعاء الذي يقول إن اللجان تعمل لمصالح التجار، خدمة مصالح القطاع والمنتمين إليه هي أصلا ما تشير إليه لائحة اللجان الوطنية ومعظم رؤى ورسائل وأهداف هذه اللجان. ولكن المشكلة أن الأدوار التي تمارسها هذه اللجان لا تظهر في الواقع بطريقة متزنة وتتسبب في إيجاد إشكاليات عدة يمتد أثرها إلى المستهلك بطريقة مباشرة ولفترات طويلة، كيف لا وهي تمس التشريعات والتنظيمات والممارسات بصورة أحيانا أقوى من الجهة المسؤولة نفسها ودون ضوابط تضمن عدم التمادي في هذه التأثيرات. ينتج عدم التوازن في أداء اللجان من جانبين، الأول مرتبط بآلية عمل هذه اللجان وطريقة تعاطي العديد من الجهات معها، والجانب الثاني يرتبط بالحقوق والامتيازات ـــ والقوة ـــ التي تُمنح للمستهلك. أما الأول فيكفي ما تذكره الدراسة المنشورة في موقع مجلس الغرف السعودية التي تقول: "لا يوجد اتفاق بين الأطراف على السبب الجوهري لتأسيس اللجان الوطنية والرؤية غير واضحة حيال الدور الجوهري للجان الوطنية". وأدعو كذلك الجميع للاطلاع على تباين أهداف هذه اللجان المنشورة في الموقع نفسه التي لا تشير إلى واجباتها تجاه العامة ومدى اهتمامها بتحقيق التوازن بين حماية وتطوير القطاع وبين ضمان عدالة ممارساتها مع المستهلك. جددت وسائل التواصل الاجتماعي من حيوية صوت المستهلك المتعب وأجبرت غيره على الاستجابة لبعض مطالبه، ولكن هذا لم يمنحه ــــ ولن يمنحه ـــ باقي حقوقه وامتيازاته المتعلقة بما يطرح له من منتجات وخدمات. ضعف دور المستهلك المؤثر في المشهد الاستهلاكي له أسبابه الأخرى كذلك، التي لا يتسع هذا المقال لها. ولكن على الأقل عند الحديث عن اللجان الوطنية يجب أن تحتوى لائحة اللجان الوطنية على ما يضمن عدالة أعمال اللجان تجاه المستهلك. العمل في اللجان الوطنية امتياز وطني يترتب عليه تأثير في التشريعات والممارسات على مستوى المملكة ولا بد أن يتبع هذا الامتياز التزام أخلاقي خاضع للمراقبة والمتابعة. من الضروري أن تنشط جمعية حماية المستهلك في رقابة أداء هذه التكتلات التجارية والصناعية التي تؤثر في حياة المستهلك ـــ المواطن والمقيم ــــ ولكنه لا يقوى على مواجهتها. النظر في قرارات إنشاء اللجان والتحركات التي أسست لقنوات قوية تمكن من تواصل التجار مع الجهات المسؤولة يجعلنا نتساءل: لماذا لا يحظى المستهلك بمثل هذه القنوات أيضا التي تصل بصوته إلى المكان المناسب وفي الوقت المناسب، خصوصا أن المستهلك يزداد تأثرا بتوجهات التاجر كلما ازداد ضعفه وقلت خياراته. لا أعتقد أن هناك ما يمنع من إيجاد كيان يتخصص في تقييم أعمال اللجان الوطنية ودراسة توجهاتها ومواجهة أنشطتها التي تؤثر سلبا في المستهلك، ربما بتنسيق جمعية حماية المستهلك ودعم وزارة التجارة وربما بعض الجهات الأخرى. وهكذا، نواجه اللجان بلجنة أخرى في حل يضمن لنا بعض التوازن المؤقت إلى أن يملك صوت المستهلك ما يكفي من القوة للمطالبة ونيل حقوقه.
إنشرها