Author

تعليم النخبة .. حان التساؤل

|
مستشار اقتصادي
يقبل الأغلبية المتعلمة، أو حتى شبه المتعلمة لدينا بمدى كفاءة الطبقة التكنوقراطية في ألمانيا وكوريا واليابان، وبالدرجة نفسها بدأ يظهر تحفظ مفهوم على كفاءة النخب لدينا. الكفاءة والإنتاجية هي السبيل الوحيد لإنقاذ المشروع التنموي والبناء الاقتصادي. ستجد الكثير من المهتمين يتحدثون عن التعليم وتوزيع الدخل والدعم والأراضي وغيرها من الاهتمامات، ولكن نادرا ما تجد استعدادا موضوعيا لمناقشة كفاءة وتوثيق التحصيل الأكاديمي لنخبنا ومقارنة ذلك بالدول الطامحة مثل كوريا والصين وحتى تركيا وإيران إلى حد أقل. تعليم النخبة التكنوقراطية لابد أن يكون مختلفا نوعيا وتوثيقيا. لابد أن يكون أحد أجزاء الإدارة والتخطيط الرئيسة. بدأ عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بتركيز واضح على التنمية والاقتصاد بتهيئة إدارية وعزيمة، ولكن الموروث الإداري والإنتاجي محدود ولا يتناسب مع هذا الاهتمام القيادي. هذه الحالة تجعل مسؤولية النخب مضاعفة وليس التعليم كمفهوم عام حيث أعطي أكثر من حقه. ولكن النقص في تعليم النخب أكثر خطورة بمراحل لما لهؤلاء من دور مباشر في إدارة الفعاليات الحكومية والأكاديمية والخاصة والتبادل الصحي بينها. كما أن للنخب دورا حاسما في القدوة وتسلسل المسؤوليات المترابط عمليا. أتى الضعف تدريجيا بسبب أن الخلفية التعليمية متواضعة وضعف متواصل في أعداد الجهاز البيروقراطي. البيئة الحكومية أصبحت ثقيلة الحركة وبالتالي مؤاتية خاصة لمن تعليمه ناقص حتى تمكَّن هؤلاء وأصبحوا في وضعية قد لا ترغب في منافسة أكثر كفاءة خاصة في المنابع الأساسية مثل الجامعات والبعثات. يصعب على المقصر أن يطلب من الآخرين الذهاب إلى أرقى الجامعات. هناك قلة من المؤهلين ولكن هؤلاء لن يؤثروا كثيرا في بحر من التنازلات وأنصاف المتعلمين. نخبة قاصرة لن توصلنا إلى أهدافنا الوطنية السامية. المحتوى المعنوي والمسؤولية الأخلاقية والشفافية لا تقل أهمية عن المحتوى العلمي. التنمية الحقيقية تحدث فقط حين تكون النخبة التكنوقراطية ذات تعليم أكاديمي موثق ومنافس عالميا. المملكة في مرحلة لا تتحمل المجاملة وأنصاف الحلول والتخفي وراء المقارنة السطحية وتفادي الأسئلة المحرجة. الأمثلة كثيرة منها أن الأغلبية الواضحة من خريجي القانون من أمريكا من طلاب الدراسات القانونية وليس المحاماة، بل إن الكثير منهم لم يتمكن حتى من اللغة بعد قضاء سنوات عديدة للدراسة. مثال آخر لن تجد الكثير من المهندسين في الإدارات الحكومية، وفي هذا تفاصيل متشعبة تفتح باب التهرب لما تغيب الدقة، وحتى الهندسة هناك جزئيات يجب تفصيلها، هناك من يدرس نظم معلومات وصفها بعلم الحاسوب. مثال آخر الكثير يذهب لدراسات عليا في أمريكا ثم يتفادى الاختبار الشامل بالذهاب إلى جامعات في بريطانيا وغيرها حيث المطلوب بحث مستقل يناسب مع من يهدف لوظيفة حكومية دون دقة وتوثيق. مثال آخر ليس هناك اقتصاديون من أفضل عشرة أقسام اقتصاد في أمريكا. ليس الهدف التشكيك أو الطعن في تعليم أحد، ولكن الظاهرة أكبر من الجميع وأخطر على المجتمع حين يسعى موظف عالي الرتبة مثلا للحصول على الدكتوراه وهو في مكتبه، حين جهد في إدارة شركة كبيرة اليوم دون الحصول على تأهيل علمي فعلي موثق مناسب. هناك دائما فرصة للتغيير ولكنها تتطلب تفكيرا وممارسة مختلفة عما تعودنا عليه. هناك خطوات أولية تبدأ بالبعثات بالمطالبة بالتفريق بين الطلاب والتخلص سريعا من قلة لا تستحق الاستثمار والفرصة. ثانيا الابتعاد عن النمطية في إعداد من لديه الاستعداد والرغبة في المنافسة العالمية، ثالثا النظر في التخصصات بدقة أكثر والتركيز على العلوم المادية والهندسة. كذلك التوقف عن فتح أقسام كثيرة في الجامعات السعودية قبل التمكن من جودة المخرجات وتحفيز الجامعات للتركيز على تخصصات نوعية. أخيرا، لابد لنا أن نعترف بالأخطاء ونركز على الجودة على حساب العدد. فحين تقبل الجامعات الكورية 40 في المائة ويشكل الطلاب الكوريون أكبر نسبة من طلاب الجامعات القيادية في أمريكا، بينما 90 في المائة من طلابنا يذهبون للجامعات. بينما يذهب أغلبهم إلى جامعات متوسطة وأقل، هناك خطأ واضح مهما سوغنا الظاهرة وبحثنا عن تبريرات. ما كان مقبولا في القرن الماضي لا يمكن قبوله في هذا القرن، فالرابط بين ضعف الإنتاجية وضعف النخبة التكنوقراطية واضح ومباشر.
إنشرها