Author

هل تصبح «الصحة» شمسا شارقة؟

|
لم تبق «أرامكو السعودية» مجرد شركة تنتج النفط، بل تعدت ذلك لتصبح شركة عالمية متكاملة للطاقة والكيماويات تنتشر شركاتها وخدماتها في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا. سجلت على مدى السنين سجلا حافلا ومشرفا لا يضاهى في الموثوقية من ناحية التزامها بتوفير الطاقة داخل المملكة وللعالم. تنتج الشركة أكثر من عشرة ملايين برميل يوميا، وهذا أكثر من ثلاثة أضعاف ما تنتجه شركة مثل "إكسون موبيل" المصنفة كأكبر شركة في العالم، ويكفي أن أكثر من 90 في المائة من حجم ميزانية الدولة من إيرادات النفط التي عكست قوة ومتانة الاقتصاد السعودي بين اقتصاد دول العالم الذي تأرجح واهتز حولنا، وبحسب وكالة رويترز "لو" طرحت أسهم "أرامكو" للتداول العام لأصبحت على الأرجح أول شركة على الإطلاق تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار أو أكثر. و"ربما" لن يختلف اثنان على حجم وأبعاد الإنجازات التي حققتها الشركة أثناء تولي خالد الفالح رئاستها، وسأقتصر بالإشارة هنا على بعض منها مثل مشروع مصفاة وفرضة جازان الذي سيوفر أكثر من ألف فرصة عمل مباشرة وأربعة آلاف غير مباشرة، علما بأنه لا يوجد في العالم سوى ثلاث مصاف بحجم تلك المصفاة، ومن أهم الإنجازات التي ينبغي أن نفخر بها كمواطنين تخطي أبنائنا وبناتنا من موظفي الشركة حاجز إنجاز المائة اختراع على مدى السنوات الماضية، حين تمكنوا من الحصول على 125 براءة اختراع في عام 2010، تم تسجيلها في برنامج الشركة للأفكار الإبداعية، للاستفادة منها فيما بعد، وتهدف إدارة الشركة حاليا بالتعاون مع موظفيها وموظفاتها إلى تخطي حاجز الألف براءة اختراع بحلول عام 2020. عزز هذا الإنجاز ثقافة الابتكار التي حولت طموح وإبداع الموظفين للعمل على تطوير مستوى الشركة المتميز الذي يطبق جميع موظفيه ثقافة الالتزام بالوقت فتجد الجميع موجودا على مكتبه قبل الساعة السابعة صباحا دون استثناء، إلى أن صنفت كواحدة من بين أفضل 100 شركة عالمية في مجال الامتياز التشغيلي في التصنيع. والحقيقة الحديث عن إنجازات الشركة سيحتاج لأكثر من مقال. تعد الصحة من أهم الخدمات التي يقاس بها رضا المواطن عن أداء الحكومة, وهذا ما يدعونا للتفاؤل هذه المرة لأن وزير الصحة الجديد آت من بيئة عمل لا تعرف المستحيل بل حولت صحارى مثل شيبة إلى واحة تعمل فيها خلية نحل بشكل متواصل دون كلل ولا ملل، ولكن في الوقت نفسه نعرف جيدا أن الملفات الساخنة نفسها وضعت على طاولات جميع الوزراء الخمسة الذين تعاقبوا على حقيبة الصحة أخيرا وتركوها دون حلول، كان من أهمها باختصار، ملف "كورونا ـــ ونقص الأسرّة، وملف الأخطاء الطبية التي فتكت بعدد لا يستهان به من المواطنين والمقيمين، وملف عدم مساواة الخدمات الصحية بين المناطق، ونقص الأطباء في تخصصات معينة، وغياب غرف العزل، وسوء التعامل مع المرضى في المستشفيات النفسية، وملف نقص وغياب المراكز المتخصصة لعلاج وتأهيل حالات التوحد بجميع فئاتهم العمرية في المملكة، وتباين رواتب الأطباء ما بين التشغيل الذاتي والوزارة، وسوء خدمات المستشفيات الأهلية، وملف تأخر بعض المشاريع الحيوية، التي استعان لفك تعثرها أكثر من وزير بجهات مثل "أرامكو"، وملف خريجي الدبلومات الصحية المهمشين رغم احتياج الصحة والمستشفيات إلى تخصصاتهم، وغيرها كثير من الملفات التي أقلقت كل وزير للصحة، ناهيك عن الملف الأكثر جدلا وهو "ملف التأمين الصحي" الذي ينبغي للمملكة أن تسرع في إقراره لما له من فوائد أكثر فاعلية منها التخفيف على المستشفيات الحكومية وإيقاف الهدر المالي لوزارة الصحة، مع أن وزيرا سابقا للصحة صرح بأنه تم الانتهاء من دراسة ملف التأمين الصحي، منذ عدة أشهر وتم رفعه للجان عليا لدراسته، ووصفت بعض التسريبات الصحافية بأنه قد تمت دراسة نموذج التأمين الصحي في فرنسا وبريطانيا وكندا، لاختيار التأمين المناسب لحل الأزمة. لا تكمن مشكلة وزارة الصحة في التخبط الإداري للقيادات الحالية أو السابقة، ولا في نقص الأموال، فالدولة تغدق على الصحة أكثر من حاجتها ولكن المشكلة تكمن في "المركزية" التي زادت من ضمورها. في السابق حين كانت «الصحة» تعتني بصحة الإنسان كان المريض يعرف جيدا ماذا أصابه حين يذهب إلى المستشفى، الآن أصبح المريض لا يعرف مشكلته ولا يعطى خيارات صحية أكبر، بل تتم معالجته وصرف أدوية "المضاد الحيوي وخافض الحرارة أو مسكن" دون أن يعطى حتى تشخيصا للمرض، حتى مركز أرامكو الصحي الذي كان من أفضل المراكز الطبية في المنطقة الشرقية ويضرب بخدماته المثل حين كانت "أرامكو" تشغله تشغيلا كاملا، بدا شاحبا مترهلا في السنوات السبع الأخيرة بعد تسليمه لشركة ربحية غيبت عنه جودة الخدمات التي كانت عليه في جيل الآباء، وما نريده كمواطنين من وزير الصحة هو توفير العلاج للمريض دون أن يستجديه حفظا لكرامته. نسأل الله له التيسير والتوفيق لخدمة الناس والوطن، فما ينتظره تركة ثقيلة جدا، ولكن هل استخراج النفط سيكون أسهل من تحقيق التأمين الصحي للمواطن؟ وهل ستصبح الصحة شمسا شارقة؟!.. الإجابة في الأيام المقبلة.
إنشرها