Author

الأسد يغوص مع مسروقاته

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"اقطع جذور الشر، وإلا ستنمو حتى تقع في الخراب" إيسوب - متحدث وقاص إغريقي كان الأمر يتطلب دعما ممنهجا، والأهم صادقا للثورة ضد سفاح سورية بشار الأسد، من أجل إزالة هذا الأخير في فترة زمنية قياسية. مثل هذا النوع من "الأنظمة"، يخشى من صرخة طفل متمرد، فكيف الحال بحراك ثوري شعبي يتمتع بالحد الأدنى المطلوب على صعيد التنظيم، ومن جهة الأهداف المشروعة؟ لم ترق مرحلتا الأسد الأب والابن، إلى مستوى النظام بمؤسسات، إلا إذا اعتبرنا أن العصابات وقُطاع الطرق، ومهربي ومنتجي المخدرات، مجموعات تستند إلى أسس النظام بمؤسسات. سورية على مدى خمسة وأربعين عاما، عاشت وهم الدولة، وبالتالي، كان اقتصادها يستند إلى معايير الأوهام. لم يكن اقتصادا، بل كان شركة عائلية غير شرعية، أدارها طاغية أطلق على نفسه صفة الرئيس. فلا غرابة، طوال عقود، أن تحذف المؤسسات الدولية سورية من قوائم الإحصاءات والبيانات الاقتصادية، لأنها ببساطة غير متوافرة. وإن وجدت، فهي بالضرورة غير حقيقية. وبعيدا عن المصائب التي ابتليت بها سورية، بقيت في دائرة الخراب قبل الثورة، واستفحل الخراب إلى درجة تهديد وجود البلاد كلها ما بعد الثورة، من فرط همجية الأسد وعصاباته وبقوة الحكومات المارقة التي تجهد في الحفاظ عليه، إلى جانب تمسكه في ملك لا يحق له، كما أنه لم يحق لأبيه وعائلته وطائفته. وفي ظل الخراب الإنساني الذي يعم سورية على مدار الساعة وبأشكال مروعة، تشهد البلاد انهيارا متسلسلا للعملة التي يمكن أن نطلق عليها توصيف "الوطنية" مجازا. وكل يوم، يرتفع عدد السوريين الذين يهربون منها، إن استطاعوا ذلك بالطبع. فحتى الهروب من العملة المحلية، يتطلب قدرة مالية في حدها الأدنى، وهذا الأمر لا ينطبق على 90 في المائة من السوريين في كل مناطق البلاد. وقبل أيام، وصلت الليرة إلى أدنى مستوى لها منذ انطلاق الثورة الشعبية. والسبب لا يتعلق بحراك اقتصاد غير موجود أصلا، بل من الانتصارات التي بدأت تتحقق ضد الأسد وعصاباته، في مناطق متعددة من البلاد، ولا سيما المناطق الساحلية التي يتطلع لها سفاح البلاد، "مملكة" مستقبلية ممكنة له ولطائفته. ومع كل ضربة قاتلة يتعرض لها في مكان ما، تتراجع القيمة الوهمية لليرة. وعلى هذه الوتيرة وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 322 ليرة، في حين كان مع انطلاق الثورة بحدود الـ 47 ليرة. وبما أنه لا توجد مؤسسات طبيعية فاعلة، فليس لما يسمى البنك المركزي سيطرة أو قوة على ما تبقى من أنفاس العملة. ورغم أن ذلك، يعكس بوضوح وضعية الأسد وعصاباته في البلاد، إلا أنه يمثل مزيدا من الآلام لمن تبقى من السوريين في سورية. بات واضحا، أن تدفق الأموال الإيرانية للأسد لم يعد كما كان عليه. والسبب يعرفه الجميع. أنهكت إيران "استثمارات" علي خامنئي التخريبية في غير بلد ومنطقة، وأتت على ما تبقى من احتياطيات مالية لديها. فالخطوط المالية إلى سفاح سورية تشح، وهذا ما أسهم في اضمحلال أي قوة مالية لهذا الأخير لتوفير سند ما لليرة. يضاف إلى ذلك، هروب الناس من النقود "السورية" التي لا قيمة لها إلى عملات أخرى، تمكنهم من شراء السلع والحصول على الخدمات. ومرة أخرى، هذا الأمر لا ينطبق إلا على القادرين القليلين في البلاد. لن نتحدث هنا، عن المواد الأساسية للفرد السوري، التي بات من الصعب جدا حسابها بالليرة. إنها مواد استهلاكية أساسية جدا، تحسب بكل العملات ذات القيمة ما عدا الليرة وأشباهها. في الواقع، إن هزائم الأسد المتجددة لا تجر الليرة إلى أدنى مستوياتها فحسب، بل تؤكد واقعا جديدا لهذا "النظام"، يرتبط بزخم التمويل المالي الذي يحصل عليه بكرم لا مثيل له من إيران على وجه الخصوص. فهذه الأخيرة، لم تعد (فعلا) تقوى على المضي قدما في تمويل عملياتها التخريبية في المنطقة، ولاسيما في ظل غموض وعدم يقين حول عوائد الاتفاق النووي الذي يمكن أن تتوصل إليه مع القوى الكبرى. ومهما يكن من أمر، فإن إيران تنظر في النهاية إلى الأسد كعميل تمنته مستداما، لكن الوقائع على الأرض قد تحول مسار الاستدامة إلى طريق آخر متقطع وبلا آفاق. هكذا يحدث دائما، مع "الوكلاء" الذين يعملون بجد وإخصاص ضد بلدانهم ومواطنيهم. ستزداد عذابات السوريين من تهاوي الليرة السورية إلى ما دون الحضيض. فحتى الانتصارات على هذا السفاح، لها جوانبها السلبية الآنية. لكنها الضريبة التي لا بد من دفعها. ألم يدفع السوريون منذ أكثر من أربع سنوات أكبر وأبشع الضرائب الشعبية التي سجلها التاريخ الحديث؟ الحكام غير الشرعيين عادة ما يتركون شعوبهم لمصائرها. لكن الأسد (ومعه عصاباته) لم يترك السوريين لمصيرهم. إنه يعمل بكل الوسائل المتاحة وغير المتاحة أيضا، لمحق هذا المصير.
إنشرها