Author

أين اختفى اليمنيون؟

|
النخبة .. سواء تلك النخبة السياسية، الثقافية، الدينية أو الاجتماعية .. قد تملك من التأثير والنفوذ داخل المجتمع ما يؤهلها للدفع بالأحداث وتحولات المجتمع. وبطبيعة الحال فإن النخب السياسية غالبا صاحبة التأثير الأكبر، سواء النخب السياسية الحاكمة أو المعارضة أو حتى الثقافية الناقدة التي تتحرك بصفتها نخبا سياسية. والنخب في اليمن لا سيما السياسية منها أسهمت في تحولات المشهد اليمني في أحداثه التاريخية، لكن تأثيرها– النخب- كان ينبع من كونها أجنحة سياسية "حاكمة" غالبا، تلك التي لها نفوذ قبلي واجتماعي وسياسي في آن معا. واستمر الوضع كذلك منذ ثورة 1962 حتى عام الوحدة والعقود التي تلت حكم صالح. لكن، وعدا النخب الاجتماعية - القبلية، أين النخب السياسية المعارضة، والنخب المثقفة التي قد تقوم بتحريك المشهد والدفع بالأحداث التي بدأت منذ ثورة 2011 حتى الآن مع "عاصفة الحزم"؟ وإلى أي مدى تلعب هذه النخب دورا في تحويل هذه الأحداث، وما مدى قوة كل واحدة منها أمام الأخرى؟ وما مدى العلاقة بين هذه النخب في إيجاد وتوجيه وإدارة الصراعات؟ وما مدى علاقة هذه النخب بالمجتمع العام؟ وهل هناك نخب فعلا عدا تلك الحاكمة السابقة؟ وأين بقية الـ25 مليون يمني؟ وهل يشكل اليمنيون الداعمون لـ"عاصفة الحزم" منهم نخبة حقيقية جديدة بإمكانها إدارة الصراع من الداخل؟ كتب أحد اليمنيين على "تويتر" تعليقا مثيرا للتفكير عن الوضع اليمني: "هل تعلم أن عدد سكان صنعاء يتجاوز ثلاثة ملايين، وسقطت في ثلاثة أيام بـ600 مقاتل؟ هل تعلم أن 2.7 مليون هم عدد سكان إب وسقطت في عشر دقائق بثلاثة أطقم؟ هل تعلم أن ستة ملايين هم عدد سكان تعز وسقطت ﻓﻲ ﻳﻮﻡ بكتيبة ﻗﻮﺍﺕ خاصة، ﻭﻫﻞ تعلم أن عدن ﺫﺍﺕ الـ600 ألف نسمة ﺍﻟﻤﻨطقة ﺍﻟﻌﺴﻜرية الرابعة واجهت سبعة ألوية، إضافة إلى ألوية أﺗﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﺎﺣﻞ، ﻭانضم إليهم كثير ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺗﺰﻗﺔ ﻣﻦ ﺍلداخل ﻭﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻭكثير ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻼيا ﺍﻟﻨﺎئمة ﻭﻣﺮﺕ أيام وعدن ثابتة وتقاوم". إذن فهل التأثير هنا هو نوع من التواطؤ أم الخذلان؟ كانت الثورة اليمنية نموذجا ناجحا بين الثورات العربية حتى ذلك الوقت الذي أعلنت فيه التسويات، هي الثورة التي ضمت مجموعات متحدة من معارضين وناشطين وصحافيين وكتاب ومحامين ومنظمات مجتمع مدني وشباب قادوا ثورة التغيير في صنعاء وتعز وعدن وإب والحديدة وغيرها، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للتنوير والتنسيق. الآن، توجد مجموعة لا بأس بها من اليمنيين على وسائل التواصل أيضا يبثون الأخبار، ويدعمون "عاصفة الحزم" وتثبيت الشرعية، لكن هل هناك تنسيق حقيقي حالي على أرض الواقع هناك في اليمن؟ ثمة أسئلة كثيرة، لكن الأكيد أمام هذه الأسئلة أنه ليس هناك شك في أن الثورات العربية ينقصها الكثير والكثير من الأبعاد الفكرية والفلسفية التي أحاطت بالثورات التاريخية كالثورة الفرنسية مثالا. الثورات على مر التاريخ لم يكن هدفها الوحيد إسقاط الأنظمة الفاسدة فحسب، بل التحدي الأكبر بعد ذلك من تأسيس لما بعد إسقاط النظام، وعدم ترك مساحة شاغرة كبرى للعبث والاستغلال. لذا فقد كان للنخب الحقيقية، دور مهم وسيظل من خلال تأثيرهم في ضبط مسار الثورة.
إنشرها