العالم

«عاصفة الحزم» تعيد عنصر «المفاجآت الاستراتيجية» للمعارك الحديثة

«عاصفة الحزم» تعيد عنصر «المفاجآت الاستراتيجية» للمعارك الحديثة

هناك من الإعلاميين والمحللين من يعتقد واهما أنه يسيء لأي مجهود عسكري أو يقلل من أهميته حين يصفه بـ "حرب المفاجآت". الحقيقة أن المفاجأة عنصر مهم واستراتيجي في الحروب، لكنه في الوقت ذاته مزعج لمن اعتادوا التضليل والعداء تحت ستاري السبق الصحفي والتحليل السياسي. فكيف قاربت "عاصفة الحزم" ومن بعدها "إعادة الأمل" بين هذين الأمرين، عسكريا وإعلاميا، أمر يستحق القراءة. "الزعيم الحقيقي يبقى دائما في جعبته عنصر من عناصر المفاجأة لا يمكن للآخرين أن يستوعبوه، لكنه يُبقي أفراد شعبه متحمسين ومبهوري الأنفاس". هذا ما قاله الجنرال ورجل السياسة الفرنسي شارل ديجول خريج المدرسة العسكرية "سان سير" عام 1912. المؤلف لعدة كتب حول موضوع الاستراتيجية والتصور السياسي والعسكري، والرئيس الأول للجمهورية الفرنسية الخامسة. ولعل الأمر الجدير بالتأمل هنا أن "سان سير" هي ذات المدرسة التي تخرج منها العميد ركن أحمد عسيري، المتحدث باسم قوات التحالف العربي الذي "فاجأ" الجميع بإعلان انطلاق "عاصفة الحزم"، دولا وإعلاميين ومحللين، حيث كانت هذه "المفاجأة" هي عنصر نجاحها الأبرز، بحسب كثير من المختصين العسكريين. اليوم، وعلى ذات المنوال، المفاجئ في إعلانه، والمميز في رؤيته وأهدافه، وشركائه الفاعلين، ينتقل التحالف العربي، بثبات مدروس، من مرحلة "عاصفة الحزم" ليعلن عن بدء مرحلة "إعادة الأمل"، الهادفة إلى سرعة استئناف العملية السياسية، المدعومة من الأمم المتحدة، واستمرار مكافحة الإرهاب، وتكثيف المساعدة الإغاثية والطبية للشعب اليمني. والتحالف بهذا الإعلان المرحلي يؤكد عمليا أن الحرب بالنسبة للدول المسالمة، التي لا تسعى إلى أهداف توسعية، ليست هدفا في حد ذاتها، بل جزء من عملية سياسية متكاملة. إلى ذلك، فإن "الحرب الخاطفة" تاريخيا هو مفهوم عسكري يستخدم في العمليات الهجومية يعتمد على استخدام عنصر المفاجأة الاستراتيجية والهجوم بسرعة لمنع العدو من الصمود دفاعيا. حيث طوّرت عدة دول المبادئ التي قام عليها مفهوم الحرب الخاطفة خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، لكن الجيش الألماني (الفيرماخت) كان من طبق هذا المفهوم واستخدمه على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية، خصوصا خلال حرب بارباروسا التي سعى فيها الفيرماخت إلى اجتياح الاتحاد السوفياتي. وتتضمن الحرب الخاطفة شن قذف مكثف يهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر بقوات العدو، إضافة إلى التأثير في معنويات الجنود المدافعين. ثم يعقب ذلك هجوم بالوحدات الجوية من قاذفات ومقاتلات لتدمير النقاط الدفاعية للعدو. عنصر المفاجأة الاستراتيجية الذي غاب لسنوات طوال عن ساحات المعارك الحديثة، استعاد وهجه من خلال "عاصفة الحزم". أما السبب وراء غيابه فيعود إلى تصاعد دور الإعلام وتأثيره في العمليات الحربية، فتغيرت بعض القناعات العسكرية، مولية السبق الصحفي أو الإعلامي و"تسريباته"، الصادقة والكاذبة على حد سواء، أهمية تفوق عنصر المفاجأة المتعارف عليه في الحروب الخاطفة، على اعتبار أن "الحرب النفسية" لا تقل في أهميتها وتأثيرها عن الحرب المادية. وهذا تحديدا ما جعل بعض الإعلاميين والمحللين يتململون من "عاصفة الحزم" ومفاجآتها، ليلقوا بلائمة حيرتهم وتخبطهم عليها، ناهيك عمن يضمرون العداء ويتحينون الفرص للانقضاض على هذا المجهود العسكري، فقد درجت العادة في السنين الأخيرة، على الأقل، أن يكون للإعلاميين "السبق"، إلا أن هذه "العاصفة" أعادت للعمل العسكري وهجه الفعّال فجعلت الأمور تعود لطبيعتها من حيث أولوية الفعل العسكري ومفاجآته. كما أن اللافت في هذا المجهود من قبل قوات التحالف العربي تحديدا أن هذه السرية لم تمنع التواصل الإعلامي الفعال بل وجهته بما يضمن سير العمليات الفنية على مستوى عال من الدقة العسكرية إلى جانب الشفافية الإعلامية. وهنا يتجلى دور الإيجاز اليومي بقيادة العميد ركن أحمد عسيري. يبقى أنه وكما أن الحرب ليست هدفا في حد ذاتها بالنسبة للعسكري بل وسيلة لدرء المخاطر عن بلاده ونجدة جيرانه فإن السبق بالنسبة للصحفي الحقيقي ليس هدفا بقدر ما هو باب للتحليل والقراءة والبحث فيما وراء الخبر ذاته. يمكن تجاهله بل وإنكاره إذا كان فقط بهدف التضليل العدائي أو كسب شعبية وقتية على حساب مصلحة الوطن العليا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم