FINANCIAL TIMES

إقلاع المستهلكين عن المشروبات الغازية يزعج مساهمي «كوكا كولا»

إقلاع المستهلكين عن المشروبات الغازية يزعج مساهمي «كوكا كولا»

عندما يعبر المؤمنون الحقيقيون، مثل دان كريستنسن، ساحة بيمبيرتون بليس الممتدة في مساحة 20 فدانا في قلب أتلانتا، يأتيهم صوت فتح الزجاجات وفوران الفقاعات المغري، الصادر من نظام الصوت في متحف "عالم الكولا". نشأ كريستنسن، المزارع من ولاية إيداهو، وهو يشرب 24 زجاجة كولا يومياً. بجانب التمثال البرونزي لجون بيمبيرتون، الصيدلي المنحدر من أتلانتا، الذي اخترع كوكا كولا عام 1886 باعتبارها "مُنشطا للدماغ" يهدئ الأعصاب ويقدم دفعة منعشة، يقول: "الكولا رائعة - إنها فوّارة، وذات فقاعات (...) إنها أمريكا". لكن الآن، مثل كثير من الأمريكيين، كريستنسن لديه طبيب أخبره أن معدل استهلاكه للسكر مرتفع فوق الحد، لذلك يقتصر على تناول زجاجتين يومياً. يقول: "خفضت تناول قطع الحلوى. لكن لا يزال عليّ شُرب الكولا الخاصة بي". بنجامين جوزمان، المهندس البالغ من العمر 23 عاماً الذي يعبر الساحة في طريقه إلى العمل، يقول إنه يشرب الكولا "ربما بين الحين والآخر - لا شيء مُفرط في شُرب واحدة يوميا". هذا الاختلاف في تحديد ما يعنيه "الكثير" من الكولا، بين جيل مواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي يشرب 12 زجاجة وجيل الألفية الذي يشرب زجاجة واحدة، يقع في قلب التحوّل الذي تخوضه شركة كوكا كولا، التي يبعُد مقرها ميلا واحدا فقط. قلق المساهمين وفقاً لشركة يورومونيتور، انخفض حجم مبيعات المشروبات الغازية في الولايات المتحدة للعام العاشر على التوالي في عام 2014، وحتى مبيعات المشروبات الخالية من السكر تنخفض بسبب المخاوف على صحة المستهلكين من المُحليات الاصطناعية. هذا الاتجاه هو نفسه في كثير من الاقتصادات المتقدّمة حتى مع نمو الطلب في الأسواق الناشئة. على الرغم من أن المشروبات غير الغازية، بما في ذلك المياه المُعبأة في زجاجات، تنمو بشكل أسرع من المشروبات الغازية، إلا أن المشروبات الغازية لا تزال تُشكّل ما يصل إلى 70 في المائة من مبيعات الكولا. وواحد من كل اثنين من المشروبات الغازية التي تُباع في أي متجر في العالم هو من صنع شركة كوكا كولا. مع ذلك، انخفضت إيراداتها 4 في المائة إلى 46 مليار دولار بين عامي 2012 و2014، وتراجع صافي الأرباح 21 في المائة إلى 7.1 مليار دولار، الأمر الذي جعل بعض المساهمين قلقين بشأن اتجاه الشركة. التحدّي الذي يواجهه مهتار كينت، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة كوكا كولا، واضح، وإن كان صعباً: بناء مستقبل من أجل شركة المشروبات الغازية الأكبر في العالم في الوقت الذي تتوقف فيه أعداد متزايدة من الناس عن حُب مشروباتها الغازية. كان الحل الذي جاء به الرجل البالغ من العمر 62 عاماً هو الانتقال من الأنموذج الذي يُركّز على الحجم، الذي جلب إلى العالم مُنتج الجرعة الكبيرة "بيج جولب" بحجم 32 أونصة، وشقيقه الأكبر ذو البدانة المُفرطة، جرعة الفريق "تيم جولب" بحجم جالون، إلى أنموذج يؤكّد "المزيد من الناس يشربون منتجات كوكا كولا في كثير من الأحيان". حتى الآن يظل بعض المساهمين مقتنعين. يقول أحد كبار المساهمين الذي يُجادل بأن شركة كوكا كولا كانت تُركّز فوق الحد على الحجم ولا تُركّز على الربحية بما فيه الكفاية: "يعطي كينت الانطباع بأن إحياء المشروبات الغازية هو العامل الأهم، لكن الآن أتمنى أن يفهم الأمر في النهاية. المساهمون سوف يمنحون الإدارة الموافقة هذا العام، لكنهم لن يفعلوا ذلك إذا تبيّن أن عام 2016 هو مجرد عام انتقالي آخر". وأعلن رئيس شركة كوكا كولا 2014 "عام الإنجاز" وتعهّد بحملة تسويق بمليار دولار لتعزيز حجم المبيعات. ووعد في الخريف الماضي ببرنامج لتخفيض التكاليف ثلاثة مليارات دولار من أجل تحسين الأرباح، ووصف 2015 بأنه عام "الانتقال". والمنتقدون أقلية، فضلا عن أن كينت يتمتع بدعم وارن بافيت، الذي تعد شركته الاستثمارية، بيركشاير هاثاواي، أكبر مُساهم في شركة كوكا كولا بحصة تبلغ 9 في المائة. لكن الانتقادات يمكن أن تنمو أكثر في حال فشلت خطته في تحقيق النتائج المرّجوة. وعادت الأسهم إلى مستويات مرتفعة شهدناها آخر مرة في عام 1998، مدعومة جزئياً بخطط تخفيض التكاليف. لكنها لم تتفوّق على منافستها الرئيسية شركة بيبسيكو ولا على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 على مدى الأعوام الثلاثة الماضية. ويأتي التغيير ببطء، جزئياً بسبب حجمها - في المرتبة 13 بين أكبر الشركات الأمريكية بقيمة سوقية 177 مليار دولار. لكن أيضاً لأنها لا تزال تتحمّل الندوب المُكلفة والمُهينة لمُنتج نيو كوك - عندما خاطرت بتغيير المعادلة السرية الأسطورية للكوكا كولا فقط ليتم إجبارها على عكس القرار بعد موجة من الغضب العام. خطوات صغيرة على مدى أكثر من نصف عمرها البالغ 130 عاما تقريباً، كانت الشركة تبيع مُنتجا واحدا فقط في إحدى عبوتين: الكولا الكلاسيكية في ماكينة التعبئة (التي توجد في محال الوجبات السريعة التي تقدم المشروب مع وجباتها)، أو زجاجة بحجم 6.5 أونصة. وفي عام 1955 أدخلت الشركة الزجاجات التي بحجم 10، 12، و26 أونصة. لكن بحلول التسعينيات توسّعت هذه الأحجام إلى ما يعترف المسؤولون التنفيذيون بأنه أحجام سخيفة، جنباً إلى جنب مع توسع مُحيط الخصر ومعدلات السُمنة في أمريكا. يقول ساندي دوجلاس، رئيس شركة كوكا كولا في أمريكا الشمالية: "نحن الآن نعمل على بيع كوكا كولا مرة أخرى بالحجم الذي يُريده المستهلك، الذي هو أصغر. قد يكون المزيد من الأشخاص يشربون الكولا في كثير من الأحيان ويدفعون المزيد من المال لهذه التجربة". ويُجادل بأن "فكرة أن العلامة التجارية كوكا كولا تحتاج إلى أن يتم استهلاكها أكثر حتى تتمكن الشركة من النمو هي فكرة خاطئة تماماً من الناحية الحسابية". ويرى أن العبوات الأصغر - بما في ذلك العُلب والزجاجات التي بحجم 6.5 وثماني أونصات - هي مستقبل الشركة، مضيفا أن هذه الأحجام تُمثّل 5 - 6 في المائة فقط من إجمالي المبيعات، مع أن نسبتها في الإيرادات "أعلى بكثير من ذلك". والمبيعات تنمو بنسبة 10 - 15 في المائة سنوياً. والتحوّل في أذواق المستهلكين يتعلق كثيراً بالتحذيرات من نشطاء الصحة والدوائر الحكومية لتخفيض مستويات السكر في الوجبات الغذائية. يقول مايكل جاكوبسون، رئيس مركز العلوم للمصلحة العامة: "إن المزيد والمزيد من الأشخاص يربطون الصودا بتسوس الأسنان، والبدانة، وأمراض القلب، والسكري - يبدو نوعاً ما كأنه فقد مكانته باعتباره المُنتج الممتع الذي تشربه لأن طعمه لذيذ". اتجاه المستهلكين لاختيار الطبيعي على المُعالَج من المرجح أن يبقى على المدى الطويل. وبدلاً من مشروب الكولا، يختارون مُنتج سمارت ووتر، أو سيبلي أورانج، أو أونست تي، أو مياه فايتامين، أو باواريد - كل منها هو مُنتج لشركة كوكا كولا. تقول الشركة إنها تسعى "لاتباع المستهلك"، ولهذا السبب ركبت موجة إنفاق من أجل التنويع. ودفعت في العام الماضي 2.15 مليار دولار مقابل حصة تبلغ 16.7 في المائة في شركة مونستر بيفيريج لصناعة مشروبات الطاقة؛ ودخلت مجال القهوة من خلال دفع ملياري دولار مقابل حصة تبلغ 16 في المائة في كيوريج جرين ماونتن، واستحوذت كذلك على زيكو لمياه جوز الهند. ودخلت حتى إلى مجال الألبان بإطلاقها الشهر الماضي مُنتج فيرلايف، وهو خط إنتاج من الحليب الخالي من اللاكتوز. وتبيع الشركة الآن 3500 صنف من 500 علامة تجارية في أحجام وتكوينات بتغليف يتكون من 12 عبوة، مقارنة بـ 2600 صنف من 400 علامة تجارية عندما تولى كينت زمام الأمور في عام 2008. ووفقاً لبيانات شركة بيفيريج دايجست، ارتفعت مبيعات الشركة من العصائر في الولايات المتحدة العام الماضي بنسبة 7.6 في المائة، والمياه المُنكّهة بنسبة 2.5 في المائة، والشاي بنسبة 16.3 في المائة، في حين انخفضت المشروبات الغازية بنسبة 1.3 في المائة من حيث الحجم. والسؤال هو ما إذا كانت شركة كوكا كولا بطيئة جداً في اكتشاف هذه الاتجاهات الاستهلاكية والاستجابة لها. يقول علي ديباج، المحلل في شركة بيرنشتاين: "نحن نعتقد أنهم بالفعل يتخذون خطوات في الاتجاه الصحيح. ربما ليس بالسرعة أو العمق الذي قد نريده". ويُجادل ديباج بأن سعي شركة كوكا كولا الذي لا يتوقف للحصة السوقية أدى إلى تسعير ضعيف دون داع في الولايات المتحدة. مع أن الولايات المتحدة تمثّل 45 في المائة من مبيعات الشركة، إلا أنها لا تساهم سوى بنسبة 22 في المائة من الأرباح. وانخفضت الربحية أيضاً بسبب مُلكية الشركة لأكبر مصنع تعبئة تابع لها في أمريكا الشمالية، الذي استحوذت عليه قبل خمسة أعوام من أجل معالجة التقصير في الأداء. وتملك شركة الكولا نظام تعبئة عالميا مُعقدا مكوّنا من 250 امتيازا مستقلا، أو مملوكا لها جزئياً ـ تبيع الشركة موادها المُركّزة للامتيازات التي تتولى تصنيعها وتسويقها محلياً. وتشير حسابات بنك نومورا إلى أن هامش الأرباح التشغيلية لنظام شركة كوكا كولا - الشركة إضافة إلى مصانع التعبئة التابعة لها - يبلغ 16 في المائة، وهو أقل بكثير من متوسط الصناعة للسلع الاستهلاكية سريعة الحركة، الذي يبلغ 24 في المائة. وحاول كينت تحسين الكفاءة من خلال تشجيع المزيد من تصويب الأوضاع والتكامل بين مصانع التعبئة. في إسبانيا والبرتغال، مثلا، اندمجت ثمانية مصانع تعبئة، الأمر الذي أثار رد فعل غاضبا من العاملين ونزاعا مع المحكمة العُليا في إسبانيا. أداء ضعيف يصرّ الرئيس التنفيذي على أنه سيحسن الربحية. وتتضمن خطته لتخفيض التكاليف ثلاثة مليارات دولار تسريح 1800 من بين موظفي الشركة البالغ عددهم 130 ألفا حول العالم. لكن يعتقد بعض المحللين أن بإمكانه أن يفعل أكثر من ذلك. ففي عام 2012، عندما واجهت شركة بيبسيكو مشكلة مماثلة خفضت 8700 وظيفة، أي 3 في المائة من إجمالي قوتها العاملة. وتقول شركة وينترجرين أدفايزرز، أحد المساهمين الصغار في شركة الكولا، إن مزيجا مؤلفا من هذا الأداء الضعيف ومحاولة لتمرير زيادة كبيرة في أجور الإداريين العام الماضي، يعمل على تقويض جهود كينت. ودعا ديفيد وينترز، الرئيس التنفيذي لوينترجرين أدفايزرز، إلى استقالة رئيس شركة كوكا كولا. وقال وينترز: "كوكا كولا ينبغي أن تكون شركة رائعة، لكن الإدارة الحالية لم تعمل سوى على إنتاج أداء ضعيف مما هو على الأرجح أفضل علامة تجارية في العالم. لا يوجد معنى للعجلة هنا بأن هناك مشكلة، أو يجب معالجة قاعدة التكاليف بشكل متطرف أكثر". وفي حين أن وينترز أثار النقاش بشأن التغيير، إلا أن بعض الشركات المساهمة تُرحّب بخطة "كوكا كولا" لتخفيض التكاليف وزيادة أرباح الأسهم. ويقول أحد أكبر مساهميها: "إن هذا فريق إدارة جيد جداً، إنه مُتقدّم ومُبتكر". لكن إذا لم يستطع كينت استخراج قيمة أكثر من الشركة، يعتقد بعض مصرفيي ومحللي عمليات الدمج والاستحواذ أنها يمكن أن تصبح في يوم من الأيام هدفاً لعملية استحواذ - وإن كانت عملية استحواذ ضخمة. والمجموعة التي يجري الحديث عنها أكثر من غيرها، باعتبارها المستحوذ المحتمل، هي إنهويزر بوش إنبيف، أكبر شركة لإنتاج الجعة في العالم، وثلاثي مساهمي خفض التكاليف البرازيليين الذين هم أكبر مساهميها. البرازيليون الطموحون، بمن فيهم خورخي باولو ليمان، يملكون أيضاً "3 جي كابيتال"، صندوق الأسهم الخاصة في نيويورك. وكان بافيت قد قال إنه يرغب في تنفيذ صفقات أكثر معهم بعد عملية استحواذ مشتركة عام 2013 على "هينز"، الشركة الأمريكية لتصنيع المواد الغذائية، التي أبرمت الشهر الماضي صفقة بقيمة 100 مليار دولار للاستحواذ على شركة كرافت للمواد الغذائية. يقول إيان شاكلتون، المحلل في نومورا: "الأرقام هائلة، لكنها معقولة. بإمكانك إيجاد قيمة من شركة كوكا كولا أكثر من أية شركة أخرى للسلع الاستهلاكية سريعة الحركة تقريباً". ويحذر من أن صفقة شركة كرافت تستبعد مثل هذا السيناريو على المدى القصير، لكنه يعتقد أن شركة كوكا كولا يمكن تستفيد من تخفيضات أعمق لعملياتها ويمكن أن تُحقق عوائد أفضل من مصانع التعبئة التابعة لها. حصة بافيت البالغة 9 في المائة في شركة الكولا قد تكون نقطة بداية جيدة، لكنه سئل العام الماضي عما إذا كان سيشتري جميع أسهم "كوكا كولا"، فقال المستثمر المُخضرم ليست هناك "أية فرصة لذلك على الإطلاق". يواجه كينت مهمة شاقة كي يحقق هدفه المتمثل في مضاعفة الإيرادات وفي الوقت نفسه توسيع الهوامش إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2020. مع ذلك، هناك أمر واحد يبدو مؤكداً؛ لن تكون هناك عودة إلى العبوات كبيرة الحجم التي كانت في الماضي. في تعليق كان ليكون بمنزلة انتهاك لقُدسية الشركات حتى قبل خمسة أعوام، يقول دوجلاس: "ستجد أحد المسؤولين عن الأرشيف يستعرض العبوات الكبيرة التي كانت في التسعينيات، وسيهز الناس رؤوسهم ويتساءلون: يا إلهي، من يشرب هذا القدر الكبير؟".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES