العالم

«قاعدة» الظواهري .. إلى أين؟

«قاعدة» الظواهري .. إلى أين؟

قبل عشر سنوات، قال شخص ذات مرة: "إننا في معركة، وأكثر من نصف هذه المعركة يجري على ساحات وسائل الإعلام. نحن في معركة إعلامية في سباق لاستمالة قلوب وعقول الإعلاميين". كان الشخص أيمن الظواهري، نائب أسامة بن لادن في ذلك الحين، وتم أخذ الاقتباس من طرد تابع لزعيم تنظيم القاعدة في العراق في ذلك الحين أبو مصعب الزرقاوي. لقد مضى أكثر من سبعة أشهر منذ أن سمعنا للمرة الأخيرة من الظواهري، وخمسة أشهر منذ أن تلقينا أي اتصال من تنظيم القاعدة المركزي الذي يتزعمه الظواهري حالياً. وإذا حدث أن قبلنا تصريح الظواهري بأن أكثر من نصف المعركة يجري على الساحة الإعلامية حيث تتواصل الحلقات الإخبارية التي تحرّكها مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا يعني من حيث تعريفه الخاص أن تنظيم القاعدة المركزي يواجه الفشل. وإذا عدنا بالزمن إلى الوراء ونظرنا إلى جميع الأنشطة الإعلامية التي قام بها تنظيم القاعدة المركزي منذ أن أعلن تنظيم داعش قيام ما يسمى "دولة الخلافة الإسلامية"، يظهر المشهد أكثر تعقيداً. فرسائل القاعدة لا تمت بصلة إلى المشاكل الراهنة؛ وفي الفترة ما بين إعلان دولة الخلافة وآخر بيانٍ له في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أصدر تنظيم القاعدة المركزي نحو 25 بياناً إعلامياً مختلفاً. ومن أجل المقارنة، ما علينا سوى العودة إلى الثالث من نيسان (أبريل) للاطلاع على البيانات الخمسة والعشرين الأخيرة الصادرة عن تنظيم داعش أو إلى السابع والعشرين من آذار (مارس) للاطلاع على البيانات الصادرة عن «جبهة النصرة»، أحد أقوى فروع تنظيم القاعدة المركزي في سورية. ومن ضمن بيانات تنظيم القاعدة الخمسة والعشرين، نصفها تقريباً باللغة الأردية؛ وسبعة تتعلق بقتلى سابقين؛ وخمس نشرات صدرت بعد مقتل كل من أسامة بن لادن، وأبو يحيى الليبي، وعطية الله عبد الرحمن الليبي؛ وبيان صدر عن التنظيم في ذكرى أحداث 11 أيلول (سبتمبر) نقله الشيخ حسام عبد الرؤوف، وهو عرض لوحظ فيه غياب الظواهري عنه. إن أحد أبرز الأسئلة المطروحة في ساحة ما يسمى بـ «الجهاد»العالمية وضمن مجتمع العلماء الذي يدرسها يدور حول وضع الصراع الأكبر بين تنظيمي القاعدة وداعش. وإذ يرجَّح أن تكون التعليمات والاتصالات حول المسألة جارية وراء الكواليس، فإن الجهود العلنية لتنظيم القاعدة قد باءت فعلياً بالفشل. وما نعرفه عن الموضوع يأتي من المعلومات المسرّبة، حيث تم في البداية تسريب حديث للظواهري يطلب فيه من زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي البقاء في العراق والتنازل عن سورية لصالح «جبهة النصرة»، فردّ البغدادي بالاستهزاء والسخرية. ثانياً، تسرّبت معلومات حول محاولة تنظيم القاعدة المركزي إظهار زعيم حركة طالبان الملاّ محمد عمر بأنه الخليفة المنتظر، وذلك من خلال إصدار تسجيل قديم لأسامة بن لادن في الصيف الماضي وهو يبايع الملاّ عمر قبل 11 أيلول (سبتمبر) وباءت هذه الخطوة أيضاً بالفشل. وفي حين قد تجسد هذه الأحداث حالة من الجمود، إلا أن حدوث تسريبات بهذه الحساسية في المقام الأول يدل على فقدان الاندفاع والانضباط في صفوف التنظيم. ومنذ بدء المنافسة العلنية بين "القاعدة" و"داعش" قبل عام، واصل تنظيم داعش انتزاع زمام القيادة من فروع "القاعدة". فقد أقدم مثلاً أفراد من تنظيم القاعدة المركزي مع عناصر منشقة عن حركة طالبان الأفغانية والباكستانية على مبايعة أبو بكر البغدادي وتأسيس "ولاية خراسان" كـ "محافظة" تابعة لتنظيم داعش في منطقة العمليات التاريخية لتنظيم القاعدة المركزي. وقد رأينا أيضاً انشقاقات من «جبهة النصرة» نحو تنظيم داعش في العراق والشام، ومن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" نحو «داعش في اليمن»، ومن "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" نحو تنظيم "داعش في الجزائر وليبيا وتونس". ومع أن الكثير من هذه الأمور - باستثناء حالة «جبهة النصرة» - حدثت على الهوامش فقط إلا أن هذه التنظيمات استعادت عافيتها منذ ذلك الحين. لكن الأمل لا يزال قائماً أمام تنظيم القاعدة المركزي، فقد عاود زعماء فروع «القاعدة» في سورية واليمن وشمال إفريقيا والصومال التأكيد على مبايعة الظواهري. وحتى بعد مقتل زعيم حركة «الشباب» أحمد عبدي غودان، قام خلفه أحمد عمر بمبايعة الظواهري أيضاً. ولا يخلو هذا الأمر من الأهمية نظراً إلى أن المبايعات تتم من زعيم إلى زعيم، وليس من تنظيم إلى تنظيم. وإذا كان هناك وقت مناسب لتغيير التحالفات بصورة شرعية، كان يمكن أن يكون ذلك هو الوقت المناسب. يطرح ذلك أيضاً السؤال عن كيفية تقييم «القاعدة» كجماعة. هل نحلله كتنظيم بحت مركزه باكستان، أم يجدر بنا اعتباره شبكة بحد ذاتها؟ إذا نظرنا إلى «القاعدة» كتنظيم متمركز في باكستان فقط، نرى أنه يتخبط اليوم في حالة اضطراب. إلا أن النظر إلى التنظيم بهذا المنظار صعب وشاق، ويعود ذلك جزئياً إلى أن ثاني أكبر زعيم في الشبكة هو اليوم زعيم تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" ناصر الوحيشي الذي مقره في اليمن. وفي الواقع أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب يُعد الفرع الثانوي الرئيسي الذي يتولى حفظ العلاقات ونقل التعليمات بين تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وحركة «الشباب». وبالتالي فإن أولئك المتمركزين حالياً في باكستان يشكلون نوعاً ما مجرد كيان آخر ينتمي إلى الشبكة الكبرى لتنظيم القاعدة، في حين تنتشر البؤرة المركزية على عدة مناطق. ومن هذا المنطلق، يبدو اليوم تنظيم القاعدة أكثر شبهاً بهيئته التي كانت سائدة قبل 11 أيلول (سبتمبر) حيث كانت غالبية القيادة متمركزة في موقع واحد. وبالنظر إلى الشبكة ككل، فإن أداء «القاعدة» يعتبر جيداً إنما ليس عظيماً. لكن «القاعدة» مؤهلة لحصد المكاسب في سورية واليمن وربما أيضاً في ليبيا إذا ما تمكّن فرعها غير الرسمي هناك، «أنصار الشريعة»، من التعافي من تنامي نفوذ «داعش» على النحو نفسه الذي شهدناه مع «جبهة النصرة» في سورية. وفي المقابل، إذا نظرنا إلى الفروع الأخرى للتنظيم - أي «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وحركة «الشباب» أو حتى فرعه المدعو «قاعدة الجهاد في شبه القارة الهندية» - فتبدو الصورة أقل إيجابية. لذلك، إذا أمكن تحويل مسار قادة الشبكة البارزين ومواردها بعيدا عن القاعدة الباكستانية، سترتفع حظوظها بالصمود والاستمرار بشكل كبير. ومع ذلك، تبقى الأسئلة مطروحة حول تأثير تنظيم داعش على قوة «القاعدة» ومستوى التعاون في شبكتها. وهذا أمر لا مفر منه نظراً إلى تعقيد القضايا وصعوبة الحصول على معلومات موثوقة. والحقيقة هي أن الاستراتيجية الأنشط التي يتّبعها تنظيم داعش في التجنيد والإنتاج الإعلامي تزيد بشكل ملحوظ على ما تقوم به فروع «القاعدة». ومع ذلك، فحتى لو كان الظواهري يلتزم الصمت فالشبكة لم تختف ولم تزُل. وبينما يعاني فرع «القاعدة» في باكستان الضعف الشديد، تشهد نجاحات الشبكة الكبرى تنوعاً أكبر. والسؤال إذاً: هل يهمّ فعلاً إذا كان الظواهري قائداً أعلى صامتاً، أم أن الشبكة مضت قدماً من دونه؟ وفقاً للمعلومات المتوافرة، يبدو أن الشبكة ربما مضت قدماً على أمل أن تحمل الراية ضد تنظيم داعش بينما تواصل القتال ضد أعدائها المحليين والعالميين على حد سواء. *باحث ومؤسس موقع Jihadology.net
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم