العالم

ترسيخ التحالف السعودي - المصري سياسيا وعسكريا

ترسيخ التحالف السعودي - المصري سياسيا وعسكريا

ترسيخ التحالف السعودي - المصري سياسيا وعسكريا

جاء الإعلان عن اعتزام المملكة العربية السعودية ومصر التخطيط لتنفيذ مناورة "استراتيجية كبرى" بمشاركة خليجية كإحدى أبرز نتائج الاجتماع الذي احتضنته القاهرة الأسبوع المنصرم وجمع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسط حضور قيادات عسكرية من الجانبين السعودي والمصري. عديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية حاول الربط بشكلٍ غير مباشر بين الإعلان عن هذه المناورة المشتركة وعملية "عاصفة الحزم" في اليمن في إشارة إلى أنها قد تكون تمهيدا لتنفيذ عملية برية مشتركة. لكن في واقع الأمر فإنه من المستبعد أن يكون هناك رابط ما بين العملية العسكرية العربية في اليمن وهذه المناورة المزمعة وذلك لأسباب عدة. أولها هو أن "عاصفة الحزم" وفي إطار عملياتها الجوية تسير حتى الآن بشكل ناجح وسط تزايد الأنباء عن الانشقاقات في صفوف الميليشيات الحوثية وقوات علي عبدالله صالح، وسعي إيران للبحث عن مخرج سياسي لإنقاذ حلفائها في اليمن، ما يشير إلى أن الحاجة إلى تدخل عسكري بري واسع النطاق من قبل قوات تحالف "عاصفة الحزم" قد لا تكون ضرورية. كما أن الوقت الذي قد تستغرقه عملية الإعداد والتنفيذ لهذه المناورة المشتركة قد يكون أطول من أن يكون كافياً للتمهيد لعملية عسكرية برية مشتركة في اليمن. وإضافة إلى كل هذا، فإن العلاقات العسكرية السعودية المصرية عرفت على مر السنوات الماضية مناورات عسكرية مشتركة عديدة أبرزها مناورة "فيصل" التي اشتركت فيها القوات الجوية للبلدين ومناورة "مرجان" التي نفذتها القوات البحرية ومناورة "تبوك 3" التي عدت الأكبر في تاريخ التعاون المشترك بين البلدين واشترك فيها عديد من القطاعات العسكرية المختلفة في القوات المسلحة السعودية والمصرية. فكيف يمكن قراءة هذا الإعلان في هذا التوقيت تحديدا عن هذه المناورة الاستراتيجية الكبرى بين البلدين؟ بداية، لا بد من الإشارة إلى أن التحالف السعودي-المصري شكل رأس الحربة لأول تحرك عربي مشترك لمواجهة الانهيار السياسي للمنطقة وهو تحرك طال انتظاره منذ أن بدأت الخريطة السياسية للمنطقة في التداعي بعد غزو العراق 2003 والتوسع الإيراني في المشرق العربي. #2# كان الانتصار السياسي والاقتصادي لهذا التحالف في مواجهة الضغوطات والتدخلات الدولية في مصر عقب الـ 30 من يونيو إعلانا صريحا على وجود رؤية مشتركة للأخطار الاستراتيجية التي تواجه البلدين والمنطقة العربية بالكامل. لقد أكدت القيادتان السعودية والمصرية في أكثر من محطة أن هدفهما هو الحفاظ على "الهوية العربية" للمنطقة. هذه الهوية التي تواجه اليوم تهديدين رئيسيين هما السياسات التوسعية للدول الإقليمية المجاورة وعلى رأسها إيران والتنظيمات المتطرفة العابرة للحدود. ولقد كان من اللافت جداً أن يشير الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حواره الصحفي الأخير مع توماس فريدمان إلى الخطرين الخارجي والداخلي على الدول العربية الصديقة لأمريكا. ولا يمكن بمكان قراءة حديث الرئيس الأمريكي بمعزل عن إصراره على إتمام الاتفاق النووي مع إيران وبمعزل عن إلقائه باللائمة على الدول العربية في عدم تدخلها الفعال للإطاحة بنظام بشار الأسد. ما يفهم من حديث الرئيس الأمريكي هو إصراره على المضي قدماً في سياسة الانسحاب السلبي من المنطقة وهو في انسحابه هذا يترك الساحة مفتوحة للقوى الأقدر على لعب دور شرطي المنطقة. من هذا المنطلق، يمكن النظر إلى الإعلان عن المناورة الاستراتيجية الكبرى على أنه خطوة أخرى تجاه ترسيخ التحالف السعودي المصري والانتقال بهذا التحالف تجاه مراحل متقدمة تتم من خلالها مواجهة الأخطار التي تهدد السيادة الوطنية للدول العربية سياسياً وعسكرياً إن لزم الأمر. فهذا التحالف لن يسمح لأي قوى إقليمية سواء كانت إيران أو غيرها من أن تلعب دور شرطي المنطقة ولن يسمح للميليشيات والتنظيمات الإرهابية كحزب الله أو الحوثيين أو "داعش" أو "الإخوان المسلمون" باختطاف القرار السياسي للدول العربية. لقد كان لهذا التحالف رسائل بالغة الوضوح إبان إقامة المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ الشهر الماضي. هذا المؤتمر الذي كان وليداً للرؤية المستقبلية للمغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وجه أكثر من رسالة لأكثر من عاصمة عربية ترزح تحت الاختطاف الإيراني وتواجه تهديدات الحركات المتطرفة. أقوى هذه الرسائل كان هو أن السعودية ومصر ومعهما دول الخليج هم الطرف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي للدول العربية. وإذ ينتقل هذا التحالف لمرحلة من التنسيق العسكري الاستراتيجي بين السعودية ومصر فإن هذه الرسالة تتجاوز ضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي لتشمل إمكانية الردع العسكري أيضاً. لقد سجل التاريخ للملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة الرياض ورئيساً للجنة دعم المجاهدين في مصر وسورية إبان حرب أكتوبر 1973 نداءه التاريخي للمواطنين السعوديين للمشاركة بتقديم الدعم المالي للقوات العربية على جبهتي سيناء والجولان في حرب أكتوبر، وهو النداء الذي جاء امتدادا لقرار المملكة بوقف تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل. يومها أعاد التعاون العربي المشترك العرب إلى واجهة التاريخ. وسجل التاريخ أيضا الموقف المصري الشجاع خلال غزو الكويت عندما انحازت مصر جيشاً وشعباً إلى صف المملكة والكويت. اليوم تمر المنطقة العربية بمرحلة أكثر خطورة وحرجاً، ومن هنا كانت خيارات وقرارت القيادات السياسية في المملكة ومصر ومعهما الإمارات على قدر المسؤولية التي تمليها ظروف المنطقة. وسيكتب التاريخ يوماً أن هذا التحالف هو الذي حفظ الهوية العربية لهذه المنطقة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم