Author

«حرب أهلية» في اقتصاد السجائر

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"أستغرب من أولئك الذين يقولون إنهم لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين. أنا أقلعت عنه 100 مرة". برنارد شو أديب إيرلندي راحل منذ أكثر من عقدين من الزمن، لم تتوقف الضربات التي تتلقاها شركات إنتاج التبغ والسجائر. مع كل ميزانية سنوية في البلدان الراشدة، هناك ضرائب مضافة جديدة على السجائر، إلى درجة وصل سعر العلبة الواحدة التي تحتوي على 20 سيجارة في بريطانيا إلى 12 دولارا تقريبا. ولا يمضي أسبوع إلا وتظهر جمعية هنا، وكتلة ضغط أخرى هناك، إلى جانب جمعيات الصحة المختلفة، لتصعد الهجوم على التدخين ومنتجيه. دون أن نذكر الحرب الطاحنة التي يتعرض لها المدخنون في غالبية بلدان العالم، لمنعهم من ممارسة هذه العادة، في كل الأماكن التي يمكن أن يمنعوا فيها. بعض البلدان منعت التدخين حتى على مقربة من مداخل المباني العامة والخاصة. لم يبق إلا الصحاري والغابات المجهولة في العالم لمنع التدخين فيها. إنها حرب بكل معنى الكلمة على شركات التدخين وزبائنها الذين فشلوا حتى الآن في تشكيل قوة ضغط فاعلة، لمجابهة قوى الضغط المناوئة لهم. ولا يبدو أنهم سيحققون شيئا لافتا في هذا المجال. فالجهات التي "تبغضهم" لا حصر لها. وقد أثبتت التجارب، أن الحملة المستدامة ضدهم، دفعت نسبة منهم للإقلاع فعلا عن التدخين، لأسباب عديدة، في مقدمتها بالطبع المادية. دون أن ننسى، أن معظم بلدان العالم تمنع بصورة صارمة، إدخال أكثر من "خرطوشة" سجائر واحدة من خارج البلاد، حتى ولو ثبت للسلطات أنها للاستهلاك الفردي بالفعل. فالقضية هنا، لا تتعلق بالاستهلاك الفردي أو الجماعي، ولكن بحرص السلطات على الحصول على المزيد من الضرائب من جراء بيع السجائر محليا. اليوم تواجه شركات التبغ والسجائر الكبرى أزمة حقيقية أخرى، ليس من الحكومات وجمعيات مكافحة التدخين، بل من شركات إنتاج السجائر الإلكترونية. فالحرب صارت في الواقع على جبهتين، ولا أحد يعرف بالتحديد الطرف الرابح فيها. وأيا كان تسمية السجائر فهي بالتأكيد ضارة على الصحة والميزانية الشخصية. ورغم أن بعض شركات التبغ التقليدية تقوم بإنتاج السجائر الإلكترونية أيضا، إلا أنها وجدت بعد نحو عشر سنوات من إطلاق "الإلكترونية"، أن الأخيرة تهدد التقليدية، وأنها يمكن أن تضرب القطاع كاملا في المستقبل، في الوقت الذي تجهد فيه لحماية نفسها من "الأعداء التقليديين" المعروفين. وعلى هذا الأساس، بدأت تدعم بقوة الحملات التي تستهدف السجائر الإلكترونية على أنها أكثر ضررا من التقليدية، كيف؟ بتأييدها التحذير الصحي المطبوع على علب "الإلكترونية" المكونة من 116 كلمة، بينما لا يزيد التحذير المقابل على بضع كلمات. ماذا يتضمن التحذير "الإلكتروني"؟ "المنتج يمكن إدمانه، ويمكن أن يصبح عادة، وهو سام جدا لدى استنشاقه أو بلعه، أو حدوث اتصال مباشر مع الجلد". وماذا أيضا؟ " لا يناسب المرأة الحامل أو التي ترضع، والأشخاص الذين يعالجون من الاكتئاب أو الربو. النيكوتين يمكن أن يزيد ضربات قلبك، ويرفع ضغط الدم، ويسبب الدوار والغثيان وألما في البطن، وأن المكونات يمكن أن تكون سامة"! لا ينقص إلا أن يحتوي هذا التحذير، على عبارة "إنك ستموت وأنت تستنشق هذا الدخان". أو "نرجو أن تكتب وصيتك قبل استعمال منتجنا"! إنه بالفعل تحذير، يجعل مثيله المطبوع على السجائر التقليدية "وصفة صحية"، أكثر منه تحذيرا من مضار التدخين! ومهما فعلت شركات التبغ حيال السجائر الإلكترونية، فإنها لا تستطيع أن تخفف من بشاعة الأضرار التي تسببت فيها سجائرها لمئات الملايين من البشر. ومع ذلك، فهي تسعى، لإقناع السلطات المختصة، بأن تفرض إبراز مخاطر أسلوب "البخر" المعتمد في السجائر الإلكترونية، على أمل أن تثني المدخنين عن التحول إلى الأجهزة الجديدة. وتضغط الشركات أيضا، من أجل خفض مدة صلاحية المنتج، وتقييد المبيعات، ومتطلبات خاصة بالاختبارات العلمية. تقول الاختبارات العلمية؟! هذه الأخيرة أثبتت على مدى عقود أن السجائر العادية تسبب أمراضا قاتلة، ابتداء من القلب وانتهاء بالسرطان، مرورا طبعا بالضغط والتنفس وغيرها. فالمسألة لا تنحصر في الواقع في أضرار السجائر الجديدة فقط، بل في استمرار أضرار السجائر القديمة أيضا. نستطيع الجزم، أن شركات التبغ التقليدية، ليست حريصة على صحة البشر، بدليل أنها لا تزال تنتج السجائر بأنواعها وجاذبيتها ومغرياتها. وكل ما ترغب فيه، هو إخراج الشركات الصغيرة، أو كما يسمونها "اللاعبين الصغار" من السوق. وللتأكيد على وجود هذا الهدف المريب، أن شركات التبغ التقليدية الكبرى، هي نفسها تنتج السجائر الإلكترونية. غير أن هذا المنتج بات سهل الإنتاج بأقل التكاليف الممكنة، الأمر الذي أفسح المجال أمام "اللاعبين" الجدد لدخول الساحة. أي أن المسألة برمتها لا علاقة لها بصحة المستهلكين والحرص على حياتهم، بل هي محصورة في الإبقاء على العوائد المالية الهائلة التي لا تزال شركات التبغ التقليدية تنعم بها، رغم الحرب المستمرة عليها في غالبية بلدان العالم. إنها لا تريد جبهة جديدة، تكفيها جبهة لا يبدو أنها ستهدأ بعد الآن.
إنشرها