Author

هل أحب الحروب؟ قطعا لا! ولكن..

|
.. الحرب سيئة. كل صاحب ضمير، كل محب للإنسانية، وكل محب للحياة يكره الحرب من أعماقه. وأنا أكره الحرب من أعماقي. ولكن من الحرب نتعلم أشياء مهمة، وهذه الأشياء المهمة غيرت العالم، وكأن العالم كان يحتاج إلى الحروب- أو بعضها- ليكون أفضل. لقد بنيت الإمبراطورية الإسلامية بالحروب والفتوح، وأخلاق الحرب النبوية الفاضلة كتب عنها الكثير من مؤرخي العرب، وكثير من كتاب العالم منهم المختصون في الحروب. لابد أن نفهم الحرب فلسفة وأدبا وعلما، وأن نعرف كيف أن بعضها كان نفعا للعالم. إن علم "المضادات الحيوية" لم يتبلور وينهض لتكون المضادات عقارا مهما لعلاج الالتهابات التي كانت تقتل الجنود بالملايين، فصارت لهم بعد الله المنقذ الأكبر. كان مقدرا لعشرات الملايين من الجنود في الحرب العالمية الثانية الموت المحتوم، حتى ظهر المضاد السحري "البنسيلين" الذي اكتشفه الاسكتلندي ألكسندر فلمنج. كما أن الفترة بين عامي 1939 و1945 كانت الفترة التي بزغت بها أكبر التقنيات الطبية، وتطور العلم الصيدلاني بقفزات غير مسبوقة، واخترعت أجهزة طبية كانت قبل الحرب مباشرة من طوباويات الخرافة العلمية. كما أن الحرب طورت علوم الاقتصاد والإدراة فغيرته عما كانت بالسابق، وأخرجت لنا حرفيا عالما جديدا بعلوم المال والإحصاء واللوجستيك وعلوم القيادة، والتخطيط، والتنفيذ. وفي عجالة، أستعرض معكم أشد المحاربين الشنيعين، وهم المغول. وحدث شيء مفيد سأذكره لاحقا بعد شناعاتهم وفظاعاتهم ما يجعلنا نتساءل: هل الحرب والدم والقسوة والسيف طريق نحو بناء حضارات جديدة أكثر تقدما؟ من المؤسف لواحد مثلي يعشق الوداعة والسلام، ولم يدخل حتى شجارا مع قطة، أن أجد وأنا أتعمق في أنثربولوجيا الحروب عالما جديدا مشمسا بالعلوم، وأدوات الحضارة الكبرى بعد كل حرب. اقرأوا عن الحروب الشنيعة والطويلة التي كانت نتيجتها بزوغ الإمبراطورية الرومانية بآدابها وعلومها وما تركت للعالم من آثار وعلوم وشعر وفنون وأساطير بعضها من عين الحقيقة.. من يحب "جنكيزخان"؟ إنه أشرس آلة حربية بشرية في كل تاريخ الحروب، وبظني أنه لم يسبق محارب جنكيز خان بوحشيته وضراوته وظلام قلبه، ولم يأت من يساويه أو يصل إليه من بعده. كان جنده مئات من الآلاف، صورا مطبوعة منه باللؤم المتوحش، ووصفتهم كتب المؤرخين المسلمين وكتب الغرب بأنهم كانوا حيوانات حرب. ولم يحب المغول أن يستسلم لهم أحد، ولم يسمحوا حتى بذلك لتسنح لهم السباحة بالدماء والشرب من الأرواح الإنسانية وهي تنازع بوجع فوق الوصف. حدث ذلك في دمشق التي كانت تريد الاستسلام وأرسلت بذلك، إلا أن المغول أضرجوا المدينة بمناظر توحش لم ير أحد مثلها من قبل. واسألوا ابن بطوطة الذي هرب ليلة الهجوم. وهول المغول لم يصب العرب فقط، فعلوها بالصين الإمبراطورية الكبرى، وزحفوا من جبال أفغانستان المثلجة الوعرة حتى التهموا كل الهند. وبعد أن استقر الأمر للمغول استدعوا العلماء وساعدوهم لكي يبنوا ويطوروا، وازدهر العلم والأدب والفلسفة والمعمار في إمبراطورية المغول بالأراضي المحتلة، ونشروا الإسلام في الهند.. وبنوا مجدا أثيلا في شبه القارة الهندية، وعرف تاريخها بامتداد السلام والرخاء، وصارت أعظم إمبراطوريات العالم قوة وازدهارا وعمرانا ورخاء.. وسلاما. إني أكره الحرب كرها جما.. وسؤالي لكم لما تعرفون كيف أن الحروب كانت سببا مهما في القفزات التطورية في العلم والتقنية والإدارة.. فهل تقبلون بوجودها؟ هل نقر أن هناك جانبا منيرا وسط حلاكة الحروب؟
إنشرها