Author

عندما تجد الأمة قائدها .. قراءة في خطاب الملك لقمة العرب

|
أصحاب الرؤى الواضحة فقط هم القادرون على اتخاذ قرارات مصيرية للشعوب والأمم، قرارات تنقذ المسار البشري برمته وتعيده مرة أخرى إلى مسار السلام والبناء وإعمار الأرض، وغالبا ما يكون ذلك باستخدام القوة في الحق لنزع الباطل من جذوره. دائما ما يظهر في التاريخ شخصيات تأتي بعدما يشعر الناس باليأس من سوء الحال وينتشر الخوف والقلق من المستقبل وتعم الفوضى ويشعر الظلم والبغي ببعض الزهو والانتصار، تظهر الشخصيات التاريخية في وقت كأنما هي التي تختاره لنفسها، ولله الأمر من قبل ومن بعد. لقد عانى العرب، منذ سنوات طويلة، فقدان القائد الملهم الفذ، ولكن أخيرا - وبحمد الله - جادت به الأحداث التي دائما ما تجود بقادة على مستواها وحجمها، فها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، يقود الجامعة العربية نحو طريق شامل من الإصلاحات، بقوة وحزم لم تشهد له العرب في عصورها المتأخرة مثيلا. لقد جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين في القمة العربية لتعلن عن هذه الشخصية الفذة القائدة في وقت مليء بالمحن والقلاقل والدماء والأشلاء، وغاب صوت العقل وشعر الجميع بضياع الحق ولم يعد هناك من ينصره، وأصبح العرب كما الأيتام في قصعة اللئام. رؤية واضحة للأحداث يشخصها خادم الحرمين الشريفين في وصفه للواقع المؤلم اليوم من إرهاب وصراعات داخلية وسفك للدماء، وأن كل ذلك جاء كنتيجة حتمية للتحالف بين الإرهاب والطائفية في منطقتنا العربية، تقوده قوى إقليمية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في بعض دولنا. عبارات واضحة مزلزلة، تحدد مكان المرض بدقة، وتشخصه بواقعية بعيدا عن المزايدات والمغالطات التي لن تشفع لأحد إذا دون التاريخ هذه الأيام الصعبة في سجلاته. ورغم أن المملكة تعيش الأمن والأمان، بفضل الله، ثم بفضل وحدة الصف والتلاحم الصادق بين القيادة والشعب، إلا أن الملك يضع رؤية شمولية للموقف وهو يستخدم عبارات مثل "دولنا" و"منطقتنا". فالحال التي تعيشها الدول العربية لم تعد تسر أحدا، ونحن نرى كيف تلاحمت قوى الإرهاب والتخويف والدمار مع دعوات طائفية وتكفيرية مضللة، تلاحمت هذه القوى وغذتها دول ليس لها هدف سوى تدمير الشعوب وسحق الحضارات بعيدا عن كل معاني حسن الجوار والتحضر الإنساني. لقد كان خادم الحرمين واضحا جدا في عباراته، دقيقا في المفاهيم التي يستخدمها وهو يحدد مكان الخطر ويصف المعركة بدقة؛ لأن الموقف العربي يجب أن يتوحد لمواجهة هذا العدو المشترك الذي يهدد الجميع، وأن هذا لن يتحقق ما لم يتم تطوير منهج وأسلوب العمل العربي المشترك، بما في ذلك إعادة هيكلة جامعة الدول العربية وتطويرها. لم يكن خطاب خادم الحرمين الشريفين من باب تمييع القضايا أو لتشتيت الرأي، بل من أجل الحزم والقيادة التي يحتاج إليهما الموقف العربي اليوم، فاليمن الشقيق يعاني ظاهرة تلاحم قوى الإرهاب ودعوات الطائفية مع التدخل الخارجي، وكل هذا أدى إلى تمكين الميليشيات الحوثية - وهي فئة محدودة - من الانقلاب على السلطة الشرعية، وهدفها تعطيل استكمال الحل العربي الذي تجلى في المبادرة الخليجية للحفاظ على أمن اليمن ووحدته واستقراره. وعملت هذه القوى الإرهابية الطائفية على بسط هيمنتها على اليمن وجعلته قاعدة لنفوذها لبث الإرهاب ودعمه وتشجيع الدعوات الطائفية الباطلة التي أبطلها الإسلام ونهى عنها، ولتحرق كل ما استطاعت الأمة إنجازه بعد مرحلة من الغياب التاريخي عن الحضارة العالمية، لم تكن تلك الفئات الباغية تسمع لأي صوت سوى صوت الطائفية الذي تغذيه القوى الخارجية، لذلك كانت الأمة بحاجة إلى قائد حازم وشجاع، وقد جاء الملك سلمان - كما جاء أبوه من قبل - في وقت الحزم لقيادة الأمة في هذا الوقت الصعب. وهو الموقف القيادي الرائع ذاته الذي أكد عليه خطاب خادم الحرمين الشريفين، في الشأن السوري، وأن أي جهد لإنهاء المأساة السورية يجب أن يستند إلى إعلان مؤتمر جنيف الأول، فلا مكان في هذا الحل لمن تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري. لم يكن لخطاب خادم الحرمين الشريفين - وهو قائد الأمة العربية اليوم - أن يمر دون تأكيد الموقف في القضية الفلسطينية، وأن المملكة العربية السعودية - كما كانت دائما - تهدف إلى تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة، ولكن على أساس استرداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛ وليس التفريط فيها. هنا تتجلى روح القائد مرة أخرى وهو يؤكد أن المملكة تعمل على أن يأخذ الشعب الفلسطيني حقه في إنشاء دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وترى المملكة - كجزء من المنظومة العالمية في هذا الموضوع - أنه قد حان الوقت لقيام المجتمع الدولي بمسؤولياته، وأن يتم تعيين مبعوث دولي رفيع لهذه الغاية. ورغم جسامة الأحداث السياسية وكقائد للأمة ولأنه رجل بناء وحضارة من طراز نادر فلم ينس خادم الحرمين الشريفين الفعل الحضاري وقضايا التنمية وهو يؤكد على ضرورة تنفيذ منطقة التجارة الحرة العربية، والاتحاد الجمركي العربي وكذلك دمج القمتين التنموية والعادية معا.
إنشرها