ثقافة وفنون

المتاحف .. من «التباهي بالاستعمار» إلى مؤسسات دائمة لمعاداة الحروب وتعزيز السلام

المتاحف .. من «التباهي بالاستعمار» إلى مؤسسات دائمة لمعاداة الحروب وتعزيز السلام

المتاحف .. من «التباهي بالاستعمار» إلى مؤسسات دائمة لمعاداة الحروب وتعزيز السلام

المتاحف .. من «التباهي بالاستعمار» إلى مؤسسات دائمة لمعاداة الحروب وتعزيز السلام

المتاحف ذاكرة الشعوب فهي مراكز تجمع الإنجازات العظيمة، ونادرا ما يكون المتحف مكانا بهيجا. والمتاحف غالبا ما تستحث الشعور بأنه لا شيء يمكن أن يظل ناضرا على الدوم، وهي ليست وسيلة اتصال بين الشعوب وبعضها فقط، بل هي أهم وسيلة اتصال بين الماضي والحاضر، وفقا لما تذكره عنها ولها كثير من المراجع التي تهتم بها وبإثراء ثقافتها، حيث تحتفظ المتاحف في كل مكان بأرقى ما توصل إليه شعب ما، وأعظم ما أبدعه خلال عصور مختلفة. المتحف، بحسب تعريف "اليونسكو": هو أي مقر دائم من أجل خدمة المجتمع وتطويره، مفتوحة للعامة، وتقوم بجمع، وحفظ، وبحث، وتواصل وعرض التراث الإنساني وتطوره، لأغراض التعليم، والدراسة والترفيه، كما عرفه المجلس العالمي للمتاحف. وهناك عشرات الآلاف من المتاحف في جميع أنحاء العالم تهتم بجمع أشياء ذات قيمة علمية، وفنية، أو ذات أهمية تاريخية وجعلها متاحة للجمهور من خلال المعارض التي قد تكون دائمة أو مؤقتة. بدأت المتاحف في وقت مبكر من المجموعات الخاصة للأفراد الأثرياء والأسر أو المؤسسات الفنية والنادرة أو كائنات غريبة. وعرضت في كثير من الأحيان في هذه الغرف ما يسمى "عجب" أو خزانات من الفضول. وكان وصول عامة الجمهور في كثير من الأحيان ممكنا فقط لبعض الناس، وخاصة لمجموعات المقتنيات الفنية الخاصة، بإذن من المالك أو الموظفين التابعين له. افتتح أول المتاحف العامة في العالم في أوروبا خلال القرن الـ 18 وعصر التنوير. لما كانت المتاحف تشكّل مركزاً للحفظ والدراسات والتأمل في التراث والثقافة، لم يعد بإمكانها البقاء بمعزل عن القضايا الأساسية المرتبطة بعصرنا. إلا أن المتاحف ليست قديمة المنشأ بل تنطوي أصولها على نوع من الحداثة في تاريخ البشرية الثقافي. فما هي المتاحف اليوم إذاً وما الهدف من إنشائها؟ تغيّر تعريف المتاحف خلال القرنين اللذين عقبا ظهورها، وقد تحوّلت اليوم إلى "مؤسسات دائمة لا تتوخى الربح وتعمل لخدمة المجتمع وتطويره وهي مفتوحة أمام الجمهور وبإمكانها امتلاك الإثباتات المادية للسكان وبيئتهم وحفظها وإجراء البحوث بشأنها ونقلها وعرضها لأغراض خاصة بالأبحاث والتعليم والترفيه". ويمكن إيجاد مجموعات الأغراض في معظم الثقافات بعد أن ارتبطت طويلاً بذوق الأنظمة الملكية الأوروبية، وهي تبرز العلاقة بالماضي وتولي قيمة كبيرة للآثار الملموسة التي تركها أسلافنا وتهدف إلى حمايتها وجعلها عنصراً أساسياً لسير المجتمع البشري. وتشكّل هذه المجموعة جنباً إلى جنب مع التراث الأثري الجزء الرئيس مما يُعرف عالمياً بالتراث العالمي. #2# ويعتبر التراث المحفوظ في المتاحف عاملا وأداة للحوار بين الأمم ولرؤية دولية مشتركة ترمي إلى تحقيق التنمية الثقافية، علماً بأن هذه التنمية قد تختلف بشكل كبير من حيث طبيعتها وشكلها وفقاً للإطار التاريخي والثقافي. ويكمن الهدف الأساسي للمتاحف في صون التراث بمجمله والحفاظ عليه. فهي تنجز الدراسات العلمية اللازمة بغية التوصل إلى فهم وتحديد لمعنى هذا التراث وملكيته. وتساعد المتاحف في هذا المنحى في إعداد أخلاقيات عالمية مرتكزة على الممارسة بهدف الحفاظ على قيم التراث الثقافي وحمايتها ونشرها. أما المهمة التربوية التي تضطلع بها المتاحف على اختلاف طبيعتها، فتوازي عملها العلمي أهمية. ويتمثل دور المتاحف أيضاً في التفاعل بين الثقافة والطبيعة، حيث يقوم عدد متزايد منها بتركيز اهتمامه على العلم والعلوم الطبيعية والتكنولوجيا. وتعمل المتاحف على تحقيق التنمية داخل المجتمعات التي تحافظ على أدلتها وتعير أهمية لتطلعاتها الثقافية. كما تولي متاحف المجتمعات، من خلال اهتمامها الكبير بجمهورها، انتباهاً شديداً للتغيرات الاجتماعية والثقافية وتساعدنا في التعريف عن هويتنا وتنوعنا وسط علم متغير أبداً. وهناك أنواع عديدة من المتاحف، منها متاحف الفن التشكيلي، والمتاحف الموسيقية والمتاحف التي تختص بتطور مجال معين من المنتجات البشرية، مثل متحف قاطرات السكك الحديدية، أو متاحف السيارات. إلا أن الأهم من بين كل المتاحف عادة، هي المتاحف الوطنية التي تسجل تاريخ تطور شعب من الشعوب، ومراحل تاريخه المختلفة، مثل المتحف المصري ومتحف الأكروبول. كما أن هناك عددا من المتاحف الشهيرة في العالم تتخطى هذا الإطار القومي لتجمع مجموعة من المقتنيات تمثل الجنس البشري بمجمله، ولعل من أشهرها متحف اللوفر في باريس ومتحف المتروبوليتان في نيويورك. وهناك ثلاثة أنوع من المتاحف تشكل جزءا حيويا من الثقافة الوطنية والشعبية لمختلف الشعوب وهي المتاحف المفتوحة ومتاحف المجتمع ومتاحف السلام. ###المتاحف المفتوحة احتفل عام 1991 بالعيد المئوي لتأسيس المتحف المفتوح في سكانس في استوكهولم عاصمة السويد والذي يعد علامة بارزة في تطور نوع معين من المتاحف ظل ينمو عددا وشعبية منذ عام 1891. والمتاحف المفتوحة تهتم بالمجتمعات الريفية والمجتمعات الصناعية الناشئة، من خلال فنونها الشعبية، موسيقاها، وبيوتها، وأثاثاتها، وإنجازات صناعها وعامليها المهرة. وتعد المتاحف المفتوحة الأبرز بين المتاحف، من حيث الشعبية، لذا تجد نفسها منخرطة في صناعة السياحة، كما أن معظم زائري هذه المتاحف ينظرون إليها كجزء من مجال الترفيه لذا تتضمن الجماعات الزائرة لهذه المتاحف أناسا ليس من طبعهم زيارة المتاحف، من هنا فإن المتاحف المفتوحة لديها فرص للتواصل غير متاحة للمتاحف الأكثر تقليدية. وتتشكل المتاحف المفتوحة بطريقتين: إما نقل شكل المباني العتيقة في مبنى المتحف، أو استغلال هذه المباني ذاتها كإطار لعروض وظيفية. #3# والهدف من إقامة متاحف الهواء الطلق هو إحياء وتمجيد الماضي وبعضها يسعى لإبراء المجتمع المعاصر مما يسوده من عداوة وخلافات. وقد تحقق ذلك في متحف "أليستر" الخاص بالشعب ووسائل النقل الذي أقيم بالقرب من بلفاست في إيرلندا. وتأسس متحف الشعب لشمال إيرلندا في أواخر الخمسينيات، حيث تزايدت حدة عمليات العنف ضد سيطرة المملكة المتحدة على البلاد، وعندما فتح المتحف أبوابه في عام 1964، كان الانقسام حادا في صفوف الشعب في كل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، وبلغ ذلك الانقسام أوجه في عام 1969م في شكل نزاعات داخلية، وتجددت موجة العنف، وتغيرات اجتماعية عديدة. وقد أقيم المتحف من أجل توضيح طرق معيشة وعادات وتقاليد شعب إيرلندا الشمالية بشكل عام. وهكذا أتيحت له فرصة العمل من أجل إرساء أسس الاحترام المتبادل لمختلف وجهات النظر في الصفوف التي يقدم خدماته إليها. ###طاحونة الصقر نادرا ما يحوي أي متحف سبعة طوابق بارتفاع 29 مترا ذات سطح مطوي يشبه الوطواط الذي يطوي أجنحته تحت منقاره، وتبلغ المسافة بين طرفي أجنحته 27 مترا. ذلك هو متحف طاحونة "فالكون" (الصقر). أنشئت هذه الطاحونة التي تسمى فالكون، نسبة للقرية التي المواجهة لها عام 1743 م، وكان هذا الموقع مقرا لسلسلة من الطواحين الهوائية التي يرجع تاريخها إلى عام 1350م وتم افتتاحها كمتحف في 2 يونيو 1966م. ويبلغ عدد الزيارات السنوية لمتحف طاحونة فالكون 43 ألف زائر يشكل الأجانب نسبة 65 في المائة منهم. ###متاحف المجتمع أنشأ فردريك ميسترال شاعر بروفنس، أول متحف في مدينة آرليس في فرنسا عام 1899م باسم متحف "آرالتيني" على أمل أن يؤدي هذا إلى افتتاح متاحف مماثلة في كل مدينة فرنسية باعتبار أنها "أفضل طريقة لتعليم الأفراد تاريخهم، وحب أوطانهم والانتماء للأرض التي أنجبتهم واحترام السلف"، وقد دافع في ثنايا هذا المشروع عن اتجاه سياسي هو الفيدرالية. فقد كان الاتجاه السياسي واضحا تماما، عندما أقيم متحف Heimatmu-seen في ألمانيا المهزومة في الثلاثينيات، بهدف إعلاء قيمة التقاليد الحضارية الشعبية، وإعادة مشاعر الزهو بالانتساب إلى ألمانيا. وفي عام 1991، بدأ متحف بزر كشيمات في سبيتال دراو في النمسا تجربة فريدة، وهي إقامة معرض متجول حمل على العربة الخاصة بمتحف كارنشيا، وكان الغرض هو نقل المتحف أو المجموعات المنتقاة منه إلى الجماهير، وتم ذلك بعدة طرق. ###متحف المستعمرات وتتوغل المتاحف المجتمعية في الحياة اليومية لمختلف بقاع العالم أكثر بكثير من أنواع المتاحف الأخرى، لتثير التساؤلات عن العصر الذي نعيشه. فكيف يمكنها أن تفعل ذلك متخذة موقفا غير سياسي في بعض الأحيان أو الانتصار لوجهة نظر سياسية معينة في أحيان أخرى؟ ومن المستحيل فصل النمو التلقائي للمتاحف المجتمعية في القرن التاسع عشر، والتطورات التي حدثت في العلوم التي تبحث في علم الإنسان (الأنثروبولجي)، عن الاهتمام الذي ساد في ذلك الوقت من قبل القوى الاستعمارية، حول ممتلكاتها في الأراضي التي استعمرتها واعتبرتها بما فيها من أملاكها الخاصة. تطورت من هذا الاتجاه فكرة إنشاء متاحف تبرز أصالة المجتمعات المحلية المستعمرة، الأمر الذي انعكس على البلدان الاستعمارية نفسها، وانتشرت نزعة إنشاء متاحف مجتمعية لهذه المجتمعات ذاتها. فالتغيرات العميقة التي حدثت في المجتمع الفرنسي منذ عهد الاستعمار يمكن الاطلاع عليها ورؤيتها فيما أطلق عليه اسم "متحف المستعمرات". ويقوم هذا المتحف الذي أقيم من أجل نشر أفكار وأيديولوجيات الحقبة التي أقيم خلالها بوظيفة جديدة، إذ يقف في مقدمة الجهود الرائدة لإثراء العلاقات بين الشمال والجنوب، ولدعم الحوار بين الطرفين وإبراز رؤية ومنظور جديد للحضارات التي يعرضها. ###متاحف السلام من شواطئ نورماندي ومعسكرات الاعتقال، حتى مدينة هيروشيما، تحولت مواقع أعنف الحروب البشرية شراسة إلى متاحف للذكرى والوفاق، وقد نشأ بجانبها جيل جديد من المتاحف، ليقدم ديناميات السلام من خلال الفن، وليظهر مدى قوة الفنان في تشكيل وعي الجمهور حول مفهوم الفن. وقد بدأت فكرة المتاحف التي تحفظ تاريخ صنع السلام (وليس فقط صنع الحروب) قبل الحرب العالمية الأولى وانتشرت خلال هذا القرن عندما قبلت متاحف عديدة هذه الفكرة، وفي العشرين عاما الماضية كان هناك اهتمام كبير بفكرة متاحف السلام خاصة في اليابان وأوروبا وشمال أمريكا. وكان أول هذه المتاحف المتحف الذي أنشأه "جان دي بلوك" عام 1902 في لوتسون في سويسرا. ولكنه تحول أثناء الحرب العالمية الأولى إلى مركز للإسعافات، ثم أسس فريدريك متحفا آخر في برلين في 1923م، قامت بتدميره أيضا القوى التي تسببت في الحرب العالمية الثانية، وكان متحف جان دي لوك الدولي للحرب والسلام يعمل على أساس فكرة أن الحرب ذاتها تشهد ضد الحرب. ومما يدعو للسخرية أن المتحف لاقى في البداية تشجيعا من الضباط العسكريين، بينما أثار أسف حركة السلام بسبب تناوله الضعيف والمقل لمواضيع السلام. وعلى العكس كان متحف فردريك الموجود في برلين ذا اتجاه معاد للحرب أكثر صراحة، فلم يكن من الغريب أن يعتبر العسكريون أهداف هذا المتحف أهدافا مخربة. وبازدياد قوة الحكومة النازية قامت بتدمير المتحف، وهرب فردريك من ألمانيا لينشئ متحف السلام المتحرك في بروكسل الذي نهب أثناء الغزو الألماني في عام 1940. متحف آخر هو متحف السلام في شيكاغو الذي افتتح في نوفمبر عام 1981 والمكرس لبحث قضايا الحرب والسلام من خلال الفنون المرئية والأدبية والمؤداة، وتشمل معروضاته المهمة "لنعط السلام فرصة" وهي حملة كبار موسيقيي الموسيقى الشعبية وموسيقى الروك، و"اللهيب الذي لا ينسى"، وهي رسومات الذين عاشوا بعد قنابل هيروشيما ونجازاكي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون