أخبار اقتصادية

«الاحتيال» .. الخطر الأكبر على الأمن الغذائي العالمي

«الاحتيال» .. الخطر الأكبر على الأمن الغذائي العالمي

يرى مختصون عالميون أن مخاطر نقص الغذاء في العالم لم يعد بالصورة السلبية التي كان عليها منذ سنوات، لكن هذا لا يعني في نظرهم أن الصورة أصبحت وردية تماما. ويؤكدون أن الخطر الأكبر في قضية الأمن الغذائي خلال العقد المقبل هو الاحتيال الغذائي. ويعتبر إيدورد ماركوس الأستاذ في جامعة أوكسفورد والمستشار الاقتصادي في منظمة الأمم المتحدة، من أوائل الاقتصاديين الدوليين الذين وضعوا تعريفا محدِّدا لظاهرة الاحتيال الغذائي، ويقول عنها إنها "كل سلوك يهدف إلى استبدال المكونات الغذائية بشكل متعمد دون إطلاع المستهلك في الداخل أو الخارج، أو وضع بيانات كاذبة بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية". وقال ماركوس لـ "الاقتصادية" إن "الاحتيال الغذائي" الخطر الأكبر في قضية الأمن الغذائي خلال العقد المقبل. "التحدي لن يكون في نقص الغذاء، فالبشرية لديها القدرة على إنتاج المزيد من احتياجاتها من الطعام"؛ كما يقول المستشار الاقتصادي، ويضيف: "الطلب على الغذاء يتزايد ولم يعد هناك دولة يمكنها تحقيق الاكتفاء الغذائي بمفردها فالعولمة الغذائية في المقدمة حاليا". ولم تعد سلسلة الإمدادات الغذائية على المستوى العالمي تتبع خطا مستقيما من المزرعة إلى المائدة، كما يقول، معتبرا ذلك "يخلق مشاكل لأن سلسلة الإمدادات الغذائية المحلية أو الدولية يصعب معها تتبع المصدر الأساسي للغذاء بعد أن أصبحت مركبة للغاية". يشار إلى أن ظاهرة الاحتيال الغذائي أصبحت تدخل حاليا ضمن التحديات التي تواجه جميع البلدان سواء المصدرة أم المستوردة للغذاء. وقد تزايدت هذه الظاهرة "الفضائح الغذائية" في السنوات الأخيرة، وكان أبرزها حليب الأطفال المغشوش في الصين، وخلط لحوم الخيل في أوروبا بلحوم الأبقار والأغنام، وبيع شركات أوروبية قلوب خنازير على أنها لماعز وأبقار وتحت مسمى "لحم حلال". وتعتبر المعاهد البحثية المعنية بقضايا الغذاء العالمي، أن ظاهرة الاحتيال الغذائي ستحتل أهمية كبرى خلال السنوات المقبلة مع تنامي التجارة العالمية للغذاء، والبحث الدائم عن المنتجات الغذائية الأرخص، خاصة لدى البلدان الفقيرة المستوردة للطعام. وهنا يقول ماركوس "عندما انفجرت فضيحة خلط لحوم الخيل بلحوم الأبقار والأغنام في بريطانيا، فإن التحقيقات واجهت صعوبة شديدة، لأن المكونات المستخدمة في إنتاج اللحوم بلغت 200 مكون من عدد من الدول المختلفة". وتذكر إحصاءات دولية أن نسبة الغذاء الفاسد المتداول في البلدان الفقيرة يراوح بين 10 و17 في المائة وأغلبها بلدان إفريقية، حيث تغيب فيها المعايير الدولية للرقابة على جودة الأغذية. وبسبب التعقيدات المرتبطة بالغش الغذائي، فإن كبح جماح هذه الظاهرة يتطلب جهدا تعاونيا بين الصناعات الغذائية والأجهزة الحكومية. وبحلول عام 2050 على البشرية ينتظر أن تزيد طاقات إنتاج الغذاء بنحو 70 في المائة مقارنة بإنتاجها الحالي، والعالم وفقا لعديد من المختصين والعلماء قادر على ذلك. وتنتج دول العالم حاليا ضعف حاجة سكان الكرة الأرضية من الطعام لكن 60 في المائة منها يذهب هدرا، سواء لتخلف تكنولوجيا الجني والحصاد ما يؤدي إلى ضياع جزء كبير من المحصول في عملية الجني، أم أنه يتم إطعام الماشية بكميات كبيرة من الحبوب التي يستهلكها الإنسان. وذكر أحد أهم المعاهد الدولية المعنية بقضايا الغذاء وهو المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية عدد الجوعى في العالم تراجع من نحو مليار نسمة إلى 726 مليون شخص، وأن نصف هذا العدد يتركز في خمس دول هي الهند والبرازيل والصين والمكسيك وإندونيسيا. وقال لـ "الاقتصادية" نائب المدير التنفيذي لفرع منظمة الأغذية والزراعة "فاو" في أوروبا، ريتشارد فيرس، إن قضية الغذاء تبدو الآن أكثر ارتباطا بمفهوم السياسات من مفهوم الإمكانات. وقال فيرس: "نعم هناك حاجة لزيادة الغذاء العالمي، لكن الأهم هو تحسين استخدام الإمكانات المتاحة والوصول بها إلى الحد الأقصى، وهذا يرتبط بطبيعة السياسات التي تتبناها كل دولة لتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها". وكما أن الدول الأوروبية يقع على عاتقها مسؤولية رئيسة لتحقيق الأمن الغذائي العالمي كما يقول المسؤول في منظمة "فاو"، "فهناك إفراط في الاستهلاك الأوروبي من اللحوم ومنتجات الألبان"، مضيفا أنه "إذا أفلحت دعوات خفض الاستهلاك من الألبان واللحوم بنحو النصف فإن هذا يسمح بحفظ تلك المنتجات لعقود طويلة". الحديث بين المعنيين بقضايا الغذاء ينصب حاليا على أن الأزمة تعود إلى تزايد حدة النزاعات والصراعات في العالم ما يعيق الإنتاج في مناطق محددة ويؤثر سلبا في طرق التجارة. ويذكر بعض المختصين أن الجزء الأكبر من الشعوب والمناطق التي تعاني من أزمات غذائية هي التي تشهد حروبا ونزاعات سواء كانت داخل دولة واحدة أم بين أكثر من دولة. واعتبرت ملينا غوردن أستاذ التجارة الدولية في جامعة كمبريدج أن أزمة الغذاء في الجزء الأعظم منها تعود إلى عوامل وأسباب سياسية "وليس إلى ما يروج له البعض بأنه قصور في رقعة الأراضي المتاحة أو نقص في إمدادات المياه فقط"؛ كما قالت. وغوردن أشرفت أخيرا على إعداد دراسة أعدتها منظمة "فاو" حملت عنوان "الأمن الغذائي والصراعات العنيفة: الأسباب والعواقب والتصدي للتحديات". وقالت الأستاذة الجامعية لـ "الاقتصادية" إن الصراعات المسلحة تلعب دورا رئيسا في تقليص الإنتاج الزراعي العالمي بعد أن تفاقم الأمر سوءا في السنوات الأخيرة من جراء تنامي ظاهرة الإرهاب. وأضافت: "مع تعاظم العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم بوكو حرام في نيجيريا والكاميرون وبلدان إفريقية أخرى، فإن المزارعين هجروا أراضيهم". وفي سورية قالت إن الأمر مماثل بعد أن تقلص الإنتاج الزراعي من جراء الأعمال الإرهابية للنظام السوري وتنظيم "داعش". وقالت غوردون: "رغم ذلك كان يمكن حل المشكلة عن طريق استيراد الغذاء واللحوم من البلدان المجاورة الأكثر إنتاجا، إلا أن الإرهاب وعدم إمكانية التصدي له أدى إلى قطع طرق التجارة أيضا".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية