Author

السمنة المعولمة

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«يمكن أن تكون سمينا، وتحب نفسك. ويمكن أن تكون سمينا بشخصية عظيمة. ولكن لا يمكن أن تكون سمينا وبصحة جيدة». سوزان بوتر متخصصة أسترالية في الصحة الغذائية لا تتوقف الحكومات في البلدان الراشدة، عن التحرك في مجال التوعية الصحية. وهي تقوم بحملات مستمرة تشمل كل شيء يرتبط بالصحة الشخصية والعامة. من الأمراض المنتشرة المعروفة، إلى تلك الكامنة، إلى السمنة المفرطة في غالبية بلدان العالم، التي أصبحت مع الوقت، ومن فرط انتشارها، أزمة اقتصادية للموازنات العامة. ومنذ سنوات طويلة، بدأت البلدان الأكثر تقدما تنظر إلى هذا النوع من السمنة كمرض لا بد من علاجه، ليس فقط لخفض معدلات السمنة، بل للحيلولة دون انتشار مزيد من الأمراض التي يعانيها أصحاب الأوزان الثقيلة. الضغط، السكري، القلب، الكولسترول، وغيرها من الأمراض التي باتت معروفة للجميع، وأصبحت معلومة حتى في أوساط الشرائح غير المتعلمة بل الأمية أيضا. يقول الممثل الكوميدي الأمريكي الراحل رودني دانجيرفيلد، في خضم سخريته الدائمة "إذا أردت أن تشعر بأنك نحيف الجسم، ما عليك إلا أن تصاحب البدناء". وهذا يقابله تقريبا التعبير الذي يستخدمه العرب "الذي يرى مصيبة غيره، تهون عليه مصيبته". أي أنك في هذا المشهد ستكون صاحب الجسم الرياضي الأمثل، بصرف النظر عن حجم الزيادة في الوزن لديك. لم تعد في غالبية دول العالم قضية البدانة خاصة أو فردية. كما أنها لم تعد مادة لإطلاق النكات، لأنها ببساطة مسألة خطيرة، على الفرد والمجتمع، ولأن نتائجها بالضرورة سيئة. وفي زمن التقتير الاقتصادي، الذي يطلق عليه"كسادا" أو "ركودا"، يتم وضع كل القضايا المرتبطة بالاقتصاد على الطاولة، بما فيها تلك التي تكون عادة في الأدراج، أو خارج السياق الاقتصادي العام. ولأن الأمر خطير، تقوم المنظمات الدولية المختلفة بإعداد تقاريرها حول مسألة البدانة، وتقدم دائما حلولا، وتطرح توصيات من أجل احتوائها. وانضمت أخيرا إلى قائمة هذه المنظمات، منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "الفاو"، التي اعتبرت أن المسألة وصلت إلى مستوى أكثر من خطير، وأن على حكومات البلدان المختلفة أن تتقدم بقوة على هذا الصعيد، لاحتواء ما يمكن احتواؤه. وحجم الخسائر الناجمة عن أمراض السمنة الذي توصلت إليه "الفاو" استنادا أيضا إلى تقارير من معهد "ماكينزي العالمي"، صادم للغاية، لأن الخسائر على المستوى العالمي تقدر بـ 1.4 تريليون دولار. وتمضي أبعد من ذلك، عندما تؤكد، أن ارتفاع مخاطر البدانة عالميا يكبد العالم نحو تريليوني دولار سنويا! وقد استندت هذه التقارير، إلى حسابات تأخذ الأبعاد التراكمية للمشكلة في العالم، وآثارها المتشعبة التي تضر بالناتج الاقتصادي. لا توجد دولة من بلدان العالم، بما فيها تلك التي حققت بعض التقدم في مجال الثقافة الصحية، خارج هذه النتائج. والمثير، أن معدلات السمنة ترتفع بصورة كبيرة في البلدان الأكثر ثقافة صحية، وهي في غالبيتها تتمتع بمستويات معيشية مرتفعة مقارنة بغيرها. وعلى هذا الأساس، يمكن ببساطة أن نطلق مجازا على السمنة العالمية في الوقت الراهن أنها "السمنة المعولمة". فإذا لم تستفد كل دول العالم من العولمة التي سيطرت على الساحة حتى انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية، فها هي السمنة "تعولم". أي أنها نشرت قيمها في مسألة خطيرة، أو لنقل في أزمة متصاعدة. وهي كذلك بالفعل، لأن "عداد" البدناء لم يتراجع أو يهدأ طوال العقود القليلة الماضية، في حين أن "عداد" المال لدى الحكومات يزيد أيضا بصورة طردية. وعلى هذا الأساس، يمكن أن يعاد طرح مسألة السمنة وآثارها الخطيرة من الزاوية الاقتصادية فقط، طالما أن التوعية الصحية والإرشادات لم تحقق شيئا إيجابيا. يضاف إلى ذلك، أن حكومات العالم تواجه مشاكل اقتصادية تعود إلى عام 2008 عندما انفجرت الأزمة العالمية. وقد بلغت حدة الأمر، أن اقترح بعض السياسيين سن قوانين تفرض ضرائب على الأطعمة التي تحتوي على معدلات كبيرة من المواد غير الصحية، وتحديدا الدسم والسكر. واقترح هؤلاء أن تستهدف الضرائب بداية المنتجات الغذائية التي تستقطب الأطفال وصغار السن عادة، على أن يتم تعميمها على كل المنتجات في وقت لاحق. إلى جانب مقترحات، بمنع الإعلانات التجارية لهذا النوع من المنتجات، تماما كما هو الحال بالنسبة للسجائر والتبغ. لـ "تعولم" فعلا الهيئات التابعة للأمم المتحدة هذه القضية المتفاعلة، وتطرح مشاريعها العامة التي تخدم الهدف الأهم، وهو تقليل نسبة البدناء حول العالم، الحماية الصحية لهم أولا، ولتخفيف أعباء الإنفاق على معالجة أمراض السمنة المختلفة على كاهل الموازنات العامة، لا شك أن المسألة ليست سهلة، بدليل أن حكومات في دول متقدمة تواجه الفشل تلو الآخر بهذا الخصوص. نظرة واحدة إلى تدفق الناس في شارع في إحدى المدن الأمريكية، يمكن أن تعطي صورة واضحة لهذا الفشل القديم المتجدد. والأمر نفسه تقريبا، في المدن الغربية الأخرى. إن الأموال المهدرة بسبب السمنة، يمكن أن تخلق اقتصادا هائلا، ولا سيما عندما ينتقل "عداد" الخسائر من مئات الملايين إلى التريليونات.
إنشرها