Author

الإفصاح .. خطوة محورية

|
قام الاتحاد الأوروبي أخيرا بالتوقيع الرسمي على قانون يفرض على الشركات المدرجة التي يزيد عدد عمالها على 500 عامل، الإفصاح عن نشاطاتها البيئية والاجتماعية وإفصاحات حقوق الإنسان ما يعني أن نحو ستة آلاف شركة مدرجة ستكون مشمولة بهذا القرار، الذي يلزم الشركات بالإفصاح عن سياساتها البيئية، ومبادئ حقوق الإنسان داخل الشركة وكذلك جهودها لمكافحة الفساد. ورغم أن القانون سيبدأ العمل به رسميا عام 2017 ما يعني أن أول تقرير لتلك الشركات سيصدر عام 2018، إلا أن العديد من الشركات صرحت بشكل رسمي عن استعدادها التام للامتثال، بل أبدت ارتياحا وترحيبا لصدوره، ذلك أن العديد من تلك الشركات تصدر تقارير مفصلة ومدققة من قبل طرف ثالث تستعرض فيها جميع الإفصاحات المطلوبة. أما التحدي الحقيقي الذي يواجه الشركات الأوروبية يكمن في الإعلان المصاحب لهذا القرار، وهو إمكانية الإفصاح عن الأرباح والضرائب لتلك الشركات بعد عام 2018. وفي حال سن هذا التشريع فإن الشركات المشمولة بالقرار ينتظر منها أن تقدم تفاصيل عن إقراراتها الضريبية وكذلك الأرباح التشغيلية وغير التشغيلية. ونلاحظ هنا روح المبادرة لدى تلك الشركات حيث إن تلك الشركات لم تكن في حاجة إلى قرار تشريعي يلزمها بل كانت الإفصاحات طوعية قبل ذلك، أي أن إلزامية الإفصاح لن تغير من الواقع شيئاً، وهو أيضا مؤشر قوي على حسن استعداد الإدارة وقدرتها على استقراء توجيهات المشرع، والعمل على تلبية تلك المتطلبات التشريعية قبل سنها، حيث إن أكثر من 55 في المائة من الشركات المشمولة بالقرار إما أنها قد قامت فعليا بإصدار تقرير غير مالي واحد على الأقل، أو أنها قامت بالإفصاح بشكل ضمني عن طريق مواقعها الإلكترونية أو عن طريق إصدارات خاصة لمساهميها. هذا إضافة إلى الوجود الدائم لكثير من تلك الشركات في المحافل العالمية التي تعنى بتحديات الاستدامة. ونحن إذا ما نظرنا إلى واقعنا المحلي، نجد أن أغلب الشركات لدينا تبدأ بالاستجابة لقرارات المشرع بعد إقراراها، ما يسبب حالة من الارتباك الشديد، وفي كثير من الأحيان تبدي الشركات امتعاضها إذا جاز لنا التعبير من قرارات المشرع، وربما حق لها الامتعاض من بعض القرارات التشريعية التي يمكن الإشارة إليها بالمتعجلة. ونحن لا ننكر هنا أنه حتى أفضل الشركات العالمية، في مجال الاستدامة، بما في ذلك جودة الإفصاحات على أسس من الشفافية، مرت بالعديد من المحطات في رحلتها، بدأت بحالة من المقاومة، ومن ثم بناء تدريجيا لأهمية وضرورة الإفصاح عن طريق حملات توعوية منظمة، حتى وصولها اليوم إلى مرحلة اقتناع كبير بأهمية الإفصاح وتحولت النظرة عن الإفصاح إلى أنه من أهم مصادر جذب المستثمرين. وللوصول لهذه الدرجة كان لزاما إحداث تغيير جذري على مستوى ثقافة الشركة، بقيادة إدارة عليا لديها الالتزام والرؤية بالاستدامة، ومن ثم ترجمة ذلك إلى سياسات وإجراءات، وورش العمل لنشر وتأصيل الثقافة داخليا. حتى الشركات العائلية، التي بدأ بعضها باتخاذ بعض الخطوات دون وجود قرارات تشريعية ملزمة مثل وضع أسس للحوكمة الداخلية، هي من أكثر الشركات المعنية بالعمل على تحسين جودة إفصاحاتها غير المالية، فرغم أن تلك الشركات لا يلزمها الإفصاح المالي كالشركات المدرجة كون ملاكها هم المعنيون بنتائجها المالية دون غيرهم، إلا أن المجتمع ككل معني بآثار تلك الشركات الاجتماعية والبيئية والاقتصادية، لذا كان من الضروري على تلك الشركات الاهتمام بهذا النوع من الإفصاح كجزء من مسؤولية تلك الشركات تجاه مجتمعها حتى في ظل عدم وجود التشريعات الملزمة.
إنشرها