خطاب للأمة لن تستطيع أن تقتبس منه مقطعا على حساب مقطع آخر؛ ذلك هو خطاب الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله بالأمس، دفع به مخلصا صادقا للوطن وأبنائه وبناته، حاملا في حروفه المسؤولية التي يجب حملها بكل أمانة المواطن وكل من يقيم على ثرى هذه الأرض، تجاه حماية هذا الوطن ومقدراته ومستقبله من كل خطر كان.
أن تتبنى حمل أمانة وطن وأمة بحجم ووزن بلاد كالمملكة العربية السعودية، فالجميع إذا بمثابة حراس أمناء على ثغر عظيم من ثغور الدين والحضارة والتاريخ المجيد والمستقبل الطموح لهذه البلاد وأهلها، الوطن الذي يمثل جوهر الأمتين العربية والإسلامية، ويمثل أيضا الكيان الشريك في نهضة واستقرار المجتمع الدولي. ولدت هذه البلاد على أسس راسخة رسوخ الجبال في الدين الإسلامي، حملها رجال ونساء هم آباؤنا وأجدادنا من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، التفت آمالهم وأحلامهم حول قلب رجل الجزيرة المؤسس طيب الله ثراه.
أحلام سقيت أفعالها الخالدة بدماء التضحيات الصادقة والمخلصة، قبل أن تسقيها حقول النفط بما أفاء الله عليها من أفضاله ونعمائه، حتى أتت إلينا الأمانة نحملها ونستعين بالله على الوفاء لها بكل ما أوتينا من إيمان وعزم وقوة. هكذا أراد الملك سلمان بن عبدالعزيز أن يشركنا مواطنا ومواطنة في حمل أمانة الوطن، لا مجال فيه لأن يتأخر أحد عن أداء واجباته ومسؤولياته تجاه هذه البلاد وأهلها، فالجميع على قدر المساواة والعدالة والحرية المسؤولة، وعلى هذه الأرضية الصلبة ومنها ينطلق العمل قبل القول، وتذلل الصعوبات والتحديات قبل الركون إلى الإنجازات، فلا يتوقف جهاد العمل المخلص لوجه الله أولا، ثم لأجل المحافظة على مقدرات بلادنا، والوفاء بمسؤولياتنا تجاه بعضنا البعض.
إنه الخطاب الذي حمل خطة العمل اللازمة لأجل وطننا وكل من يتنفس هواءه؛ المواطن والمواطنة ومعهما كل مقيم وافد على هذا الوطن، كل مسؤول عن الوفاء بما أؤتمن عليه من مهام ومسؤوليات حسب موقعه، ليستمر العمل بما تأسست عليه هذه البلاد منذ أشرقت أول شمس للوجود على وحدتها المتينة، قامت وترسخت على شريعة من الله جلت قدرته ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لا مجال ولا عذر يقبل من أي كائن كان؛ إلا أن ينجز مسؤولياته الموكلة إليه، وأن المقصر عن الوفاء بها لن يتم التأخر عن مراقبة وتقييم أدائه والجهاز القائم عليه، ضمن الدائرة الواسعة للتنمية المستدامة والشاملة لكل شبر من هذه الأرض، ولكل احتياجات المواطنين والمواطنات، بكل ما تشمله على مستوى الرعاية الصحية، والتعليم والتدريب، والتوظيف الملائم، وتوفير المسكن اللائق والميسر، وتطوير مستوى الخدمات الحكومية والبلدية والنقل والاتصالات وامتداداتها في جميع ما يتعلق بتطور وكفاءة البنى التحتية للبلاد والعباد. وتعزيزا للثقة في الأجهزة الحكومية، التي سينظر لها (الثقة) كأحد أهم محددات تقييم أدائها على مستوى الوفاء بها بالدرجة الأولى، ممثلة في مدى تلبيتها لاحتياجات المواطنين كافة المرتبطة برفع المستويات التنموية ورفاهية العيش، يؤكد الخطاب الملكي للأمة والوطن على الدور المنوط بكيانات القطاع الخاص، وأن تتولى بدورها حمل الجزء من الأمانة الملقاة عليها ممثلة في قياداتها من رجال الأعمال، وهو الدور الذي يتضمن شراكته الاستراتيجية في تحقيق أسباب التنمية المستدامة لبلادنا، فكما أن الدولة مدت يد العون إلى القطاع الخاص ولا تزال لأجل تطوره وتوسع نشاطاته، فإن عليه واجبا وطنيا لا يقبل التأجيل أو التأخير أو التسويف للوفاء المستحق برد الجميل للوطن والمواطن، وأن يضطلع بمهامه ومسؤوليته تجاه إشراك كل من المواطن والمواطنة في العمل الكريم والمجزي، وتجاه تنفيذ مشروعات البلاد والعباد على أرقى درجات الأداء وأكثرها أهلية، فالعمل والمسكن والصحة والتعليم والتدريب والتحفيز ومحاربة الفساد ونبذ التخاذل والغش والتدليس والتلاعب بالأسعار والتستر التجاري على سبيل المثال لا الحصر، تمثل جوهر الوفاء بمعادلة تلك الشراكة للقطاع الخاص مع القطاع الحكومي، وهي أيضا أصل صيغة التعاقد الوطني مع كل فرد من أفراد المجتمع.
ليس لخطابك الكريم أيها المليك الكريم النبيل إلا إجابته بنعم، وإننا جميعا أبناؤك وبناتك نلبي كلماتك الصادقة المخلصة بكل حب ووفاء وولاء لك ولبلادنا وأهلها الكرام. حفظ الله بعينه التي لا تنام هذه البلاد الحبيبة وقيادتها الرشيدة وأهلها الأوفياء من كل شر ومكروه، وكتب لها السداد والرشاد والتقدم والأمن والاستقرار، اللهم آمين. والله ولي التوفيق.