Author

قذارة العقارات البريطانية في أموالها

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«مليار هنا ومليار هناك، قريبا سوف تتحدث عن مال حقيقي جدا» إيفريت ديريكسين سيناتور أمريكي يقول مايكل بارينتي المؤرخ والأكاديمي الأمريكي "الأرباح، هي تلك التي تجنيها دون أن تعمل". وهذا ينطبق إلى حد بعيد على مالكي الأموال القذرة، وينطبق بإحكام على أولئك الذين ضخوها بكميات هائلة في قطاع العقارات البريطانية. وحول القطاع المذكور صمت رهيب، وإن تخلله بعض الهمس هنا أو هناك، ولا بأس من تصريح لجهة غير حكومية، و"غمزات" من جهات بريطانية وغير بريطانية. غير أن ذلك لن يكسر الصمت بصورة تتضح فيها الحقيقة، بل لنقل بشكل تنفتح فيه كل الملفات. وهي ملفات كثيرة ومتضخمة، تماما كما تضخم الأموال ذات الصلة، بالعقارات التي تقتنصها. إنها عقارات من تلك التي لا يمكن لشخص عادي (حتى ولو تمتع بدخل شهري جيد) أن يفكر في امتلاك شقة منها، وتحديدا في النطاق الداخلي للندن. تكاد العقارات البريطانية التي يتم شراؤها بالأموال القذرة، تشبه الخزائن المشينة التي تتلقف كل دولار قذر، وكل يورو فاسد، وكل فرنك سويسري ملوث، وكل العملات المنهوبة. الحكومة البريطانية، وتحت الضغط المحلي، تفكر في فرض ضرائب على العقارات التي يزيد سعر الوحدة منها على مليوني جنيه استرليني. وكذلك يعتزم حزب العمال المعارض، إذا ما نجح في الانتخابات العامة التي ستجري في أيار (مايو) المقبل، وسط تقارب شديد في مكانة الحزبين الرئيسين انتخابيا، لكن في الواقع هذا لا يهم أيا من مالكي العقارات. لماذا؟ لأن الذي يمتلك عقارا بهذه القيمة يمكنه أن يدفع، دون أن يتأثر، أي مبلغ مطلوب كضريبة، كما أن الأموال نفسها، ليست أمواله في الواقع، لأنه حصل عليها سرقة وسطوا وتهريبا. حصل عليها بكل الطرق غير الشرعية. فماذا يضيره فيما لو فرضت عليه ضريبة صغيرة؟! إن القضية بحالتها الواقعية، لا علاقة لها بضرائب تعلنها الأحزاب بقصد جلب الأصوات، بل بأموال قذرة إلى حد مخيف. أموال باتت واضحة للعيان، كما وضوح العقارات نفسها. ولهذا السبب أقدمت منظمة الشفافية العالمية أخيرا على إطلاق تحذير للحكومة البريطانية، لكي تقوم بتحرك ما بهذا الصدد. ولم تترك المنظمة الأمر للحكومة، بل قدمت لها خطة عمل، للحد من تدفق الأموال القذرة إلى عقارات البلاد. وهي تعتمد أساسا على إلزام الشركات الأجنبية التي تشتري العقارات، بالإعلان عن ملاكها الحقيقيين. والهدف من هذه الخطوة، هو تقليل استخدام هذه الأموال في شراء العقارات. نعم في بريطانيا يمكن أن تشتري عقارا بمائة مليون جنيه، دون أن يعرف أحد هويتك الحقيقية. لماذا؟ لأن هؤلاء يشترون العقارات بأسماء شركات وهمية مسجلة في بلاد وراء أعالي البحار، وبالأصح في أنصاف دول. وفي بلد يعتمد النظم الرسمية في التعاملات منذ قرون، يمكن شراء العقار نقدا! ولهذا السبب ترى المنظمة ضرورة منع الشراء النقدي، وأن يتم ذلك عن طريق المصارف والتحويلات المصرفية المتبعة. ولمزيد من السخرية، فإن الشرطة البريطانية أجرت تحقيقات خلال السنوات العشر الماضية، في صفقات عقارية لا تزيد قيمتها عن 180 مليون جنيه استرليني، في حين هناك عقارات في قلب لندن وصلت قيمة الوحدة منها إلى أكثر من 200 مليون جنيه! أي أن الشرطة كانت ربما تتبع أصغر أصحاب الأموال القذرة، ولم تقترب من أولئك الذين ينقلون المليارات إلى داخل بريطانيا. مهمة تعقب الأموال ليست سهلة، ولكنها أيضا ليست من الصعوبة بحيث لا يتم ضبط نسبة مقبولة على الأقل للجهات التي تسعى إلى الحد من تحرك الأموال المشار إليها. والأمر برمته بات واضحا للجميع. فعلى سبيل المثال، إن أغلب مالكي العقارات الفارهة المشبوهة في بريطانيا، يأتون من شرق أوروبا ومن روسيا. دون أن ننسى أن نسبة متعاظمة من هؤلاء تأتي بزخم كبير من بعض بلدان آسيا. وكما هو معروف، فإن غالبية البلدان المشار إليها، تعج بمستويات من الفساد اللامحدود. أي أن التحقيق يمكن أن يبدأ ببساطة وفق جنسية المالك، لإثبات أن أمواله نظيفة. وإذا كان من الصعب متابعة الشركات المسجلة في أنصاف الدول، يمكن أيضا وببساطة متابعة مالكيها الحقيقيين، الذين أثبتت الإحصاءات أنهم يفضلون العيش في بريطانيا، عن غيرها من بلدان العالم. أي أن المسألة ليست معقدة كما قد يظهر للوهلة الأولى. نحن لا نتحدث هنا عن مالكي الأسهم من الأجانب. وتكفي الإشارة هنا إلى أن الإحصاءات الرسمية البريطانية أظهرت أخيرا، أن الأجانب يملكون أكثر من نصف الأسهم البريطانية التي يصل حجمها الإجمالي إلى 1.76 تريليون جنيه. ليس أمام السلطات البريطانية المندمجة مع نظيراتها الغربية في محاربة الفساد وملاحقة الأموال القذرة، إلا أن تبدأ المهمة في عقر دارها. لقد أظهرت المعلومات المتداولة (على سبيل المثال) أن نسبة كبيرة من أموال المسؤولين الحاليين والسابقين في بلدان فقيرة، تقبع في بريطانيا. وهي بلا أدنى شك منهوبة من شعوب تحتاج إلى دولار لتعيش يومها.
إنشرها