Author

السد في بيشة .. نذر كارثة بيئية

|
نشرت صحيفة "الرياض" قبل أسابيع عدة، خبرا بعنوان (تلوث مياه سد الملك فهد ببيشة.. "شرارة" تنذر بكارثة بيئية)، حيث أشار الخبر إلى ما لاحظه مواطنو محافظة بيشة من نفوق للأسماك في بحيرة سد الملك فهد بالمحافظة، إضافة إلى روائح كريهة، في مؤشر على وجود تلوث مياه السد بمياه الصرف الصحي المنقولة من محطات الصرف في عسير عبر وادي بيشة. وسد الملك فهد في بيشة يعد أكبر السدود في المملكة، وقد أقيمت عليه محطة لتنقية المياه ويعد مخزونه مصدر الشرب الوحيد لسكان المحافظة، فمياه السد تغذي آلاف المنازل والمساجد والمدارس في بيشة عبر مشروع التوصيلات المنزلية، إضافة إلى ما يتم نقله عبر الصهاريج من محطة الأشياب. وقد تعالت الأصوات محذرة مياه عسير بأن تحويلها لمياه الصرف الصحي عبر وادي بيشة سيشكل كارثة بيئية، لكنها مضت في مشروعها دون اكتراث للمخاطر الصحية والبيئية التي ستنتج عن وصول مياه الصرف لبحيرة سد الملك فهد. وطالما أن وزارة المياه بفرعيها في عسير وبيشة لم تتجاوب مع صيحات المواطنين، فقد تدخلت جهات أخرى للاطلاع على الوضع من كثب. فقد زار السد عدد من المسؤولين كان آخرهم وكيل وزارة الداخلية لشؤون المناطق الذي زار السد الأسبوع الماضي، كما ظهر على السد قبل ذلك فريق عمل من عدة جهات منها حماية البيئة والثروة السمكية في محافظة بيشة وفريق من الثروة السمكية في وزارة الزراعة وتم أخذ عينات من الأسماك النافقة. ولكن بالرغم من كل هذه الزيارات للسد وكل هذه العينات التي أخذت من عدة جهات، إلا أننا لم نسمع أو نرى تصريحا يؤكد أن هناك تلوثا من عدمه، ولم يتجرأ بالصدع بذلك سوى الشؤون الصحية في بيشة التي أكدت عدم صلاحية المياه داخل بحيرة سد الملك فهد كيميائيا وجرثوميا. فقد ذكر مديرها لصحيفة عكاظ أن العينات التي أخذت من عدة جهات من السد أثبتت أن المياه في وادي بيشة، وفي سد الملك فهد، وفي الآبار - تحت السد- غير صالحة كيميائيا وجرثوميا. إلا أن فرع المياه في بيشة قلل من خطورة تقرير الصحة ويرى أن تلوث بحيرة السد أمر طبيعي بسبب كونها مياها مكشوفة وبسبب تحلل النباتات. كما يرى فرع المياه في بيشة أن نفوق الأسماك أمر طبيعي أيضا يرجع لعدم توافر غذاء وأكسجين كافيين لنمو الأسماك ما يدلل على خلو المياه من الفضلات الآدمية. وما بين تحذيرات «الصحة» وتطمينات «المياه» ما زال أهالي بيشة يطالبون بإيقاف ضخ مياه الصرف الصحي في وادي بيشة ويطالبون بالمسارعة في تنفيذ المشروع الآمن للصرف الصحي بما يكفل سلامة البيئة على امتداده من خميس مشيط جنوبا حتى بيشة شمالا. ونحن لا ندري لماذا هذا التباطؤ وهذا الغموض من قبل وزارة المياه ومن قبل الجهات التي ظهرت على السد في إيضاح الحقيقة؟ نريد من هؤلاء أن يبينوا للرأي العام الحقيقة، هل هناك بالفعل تلوث للسد؟ أم أو أنها عوارض طبيعية؟ أي أنها مجرد شائعات؟ وحتى نعرف حقيقة ما يجري، أرى أنه ينبغي تنبيه سكان المحافظة والزائرين لها على عدم استعمال مياه السد خصوصا في الشرب. وإذا ثبت أن هناك بالفعل تلوثا ولو بسيطا فيجب إبلاغ المواطنين والمقيمين في محافظة بيشة بهذا حتى يأخذوا حذرهم، ثم تبدأ الجهات المعنية في معالجة الوضع وأظن أن هذا ممكن في ظل التطور في مجال تنقية المياه. كما أن الموضوع يجب ألا يمر دون محاسبة، فإذا صدقت توقعات أهالي بيشة فالأمر في رأيي لا يخرج عن كونه إهمالا وسوء تقدير للنتائج وعدم تتبع المشروع أولا بأول. وهذا الإهمال تتشارك فيه جهتان رئيسيتان هما: مياه عسير ومحافظة بيشة. فمياه عسير هي صاحبة الفكرة وقد قامت بالتنفيذ دون مراقبة دورية على سير العمل، كما أنها لم تستمع إلى أصوات الناس وصيحات الأهالي، بل ما زالت حتى هذه اللحظة تبرر أن نفوق الأسماك والروائح الكريهة المنبثقة من بحيرة السد أمر طبيعي. أما محافظة بيشة فهي الجهة المسؤولة عن كل ما يمس حياة وصحة وأمن المواطن ومنها الأمن الغذائي والبيئي، كما أنها (محافظة بيشة) أسهمت في تفاقم المشكلة بسبب صمتها عن كل ما يحدث في المحافظة ولم تكلف نفسها حتى رفع الموضوع لإمارة عسير أو لوزارة المياه بالرغم من تحذير الأهالي وزيارات مسؤولين من جهات مختلفة. كما أن لدينا عتابا على وزير المياه وهو الرجل الحصيف والمسؤول النشط فكان يتعين عليه عندما سمع بمثل هذه الأنباء عن التلوث أن يتأكد ويقف على الأمر بنفسه حتى لو كانت شائعات، فلو فعلها لما كانت هناك حاجة لدخول جهات أخرى كوزارة الداخلية أو وزارة الصحة. فالأمر من اختصاص وزارة المياه ولها مختصوها ومعاملها وكان بإمكانها التأكد من سلامة المياه ومعالجة الموضوع في بداياته دون أن يأخذ هذا البعد وهذا الانتشار الإعلامي. وأريد أن أختم فأقول: إذا ثبت أن هناك تلوثا في سد بيشة، وأن مياه الصرف الصحي قد امتزجت بمياه السد، فيجب أن نعترف أن لدينا خللا كبيرا في مكان ما خصوصا في آلية مراقبة المشروعات. وعلى المسؤولين أن يتقوا الله في أعمالهم، وإذا تعذر على أحدهم أداء عمله بكفاءة وفاعلية فما عليه سوى أن يقدم اعتذاره وتسليم مهام عمله لمن هو أجدر منه. ولكن وفي الوقت نفسه يجب ألا نذهب بفكرنا بعيدا فنتهم أحدا بتعمده إيقاع الضرر. نعم قد يكون هناك إهمال، لكنني متأكد بأنه غير متعمد فأي مواطن أو مسؤول في بلادنا لا يتعمد البتة الإضرار بالناس، فهو قبل أن يكون مواطنا أو مسؤولا هو في الأصل مسلم وديننا وتربيتنا في بلادنا تحث على عدم الإضرار بالغير مهما كان جنسه أو انتماءه، فكيف إذا كان هذا الغير مواطنين مسلمين مسالمين.
إنشرها