Author

تكلفة الذروة أم ذروة التكلفة؟

|
الحديث هنا ليس عن بلوغ ذروة الإنتاج النفطي ولا عن طبيعة ذروة استهلاك التيار الكهربائي، بل هو عن التكلفة المالية التي نتكبدها بسبب جزء يسير من الإنتاج، النفطي والكهربائي. وقد يكون إنتاجا نفطيا عند أي مستوى، دون ارتباط بذروة الإنتاج، أو توليد كهربائي لتغطية ذروة الاستهلاك، وهنا يأتي الدور الإيجابي للطاقة الشمسية بالنسبة للموضوع الثاني. فالمعروف، وحسبما هو معلن رسميا، أن القدرة أو الطاقة الإنتاجية النفطية للمملكة قد تصل إلى اثني عشر مليونا وخمسمائة ألف برميل في اليوم. ونحن ننتج حاليا ما يقارب عشرة ملايين برميل. ولو أردنا رفع الإنتاج فوق هذا المستوى، استجابة للطلب العالمي، لكوننا المنتِج المرجح، لارتفعت تكلفة إنتاج البرميل للكمية المضافة إلى عدة أضعاف تكلفة إنتاج العشرة ملايين الحالية. ونحن لا نتكلم الآن عما سوف يسببه رفع الإنتاج إلى ذلك المستوى المرتفع على مستقبل إنتاج وعمر الحقول النفطية من تداعيات مستقبلية، بل نخص التكلفة المالية فقط. وهذا الكلام، ليس سرا ولا جديدا، فقد سبق أن ذكره المسؤولون عن الصناعة النفطية في بلادنا. ونفهم من التصريحات التي يدلي بها بعض المسؤولين بأن معدل تكلفة إنتاجنا لم يصل بعد إلى العشرة دولارات للبرميل. وهو ربما الأرخص بين جميع المنتجين في العالم. وكما ذكرنا آنفا، فإنتاجنا قريب من العشرة ملايين برميل. وبالمبدأ نفسه، لو قررنا تخفيض الإنتاج الحالي مليوني برميل في اليوم، لاستطعنا خفض تكلفة إنتاج البرميل بنسبة كبيرة. فلو فرضنا أن معدل تكلفة الإنتاج اليوم ثمانية دولارات للبرميل، وخفضنا إنتاجنا من عشرة ملايين إلى ثمانية، لأصبح معدل التكلفة أقل من ثمانية دولارات. ومرة أخرى، ليس هذا مجال ذكر الإيجابيات والمكتسبات في حالة تخفيض الإنتاج، بالنسبة لمستقبل مكامن النفط. وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة، حري بنا توضيحها. ففي حالة الإبقاء على الإنتاج عند المستوى الحالي خلال السنوات العشر المقبلة، فسوف يرتفع تدريجيا معدل التكلفة تلقائيا بنسبة كبيرة. وهكذا الحال مع مرور السنين حتى نصل إلى مرحلة لا ينفع معها صرف المزيد من الأموال، فيهوي مستوى الإنتاج بتسارع كبير. أما فيما يتعلق بذروة استهلاك التيار الكهربائي، وهو عادة في بلادنا وسط النهار، فلا يختلف وضع تدرج التكلفة عما أوضحنا بالنسبة للإنتاج النفطي. فالاستهلاك الكهربائي له ذروة وله قاع، يختلفان مع تقلب الليل والنهار وتنوع البيئة والمناخ في مناطق توليد الطاقة الكهربائية. وفي بلادنا، تكون ذروة الاستهلاك غالبا في وسط النهار. وترتفع الذروة خلال الأشهر التي ترتفع فيها حرارة الطقس، نظرا لكون نسبة كبيرة من الاستهلاك يستخدم في تغذية مكيفات التبريد. وهناك فارق كبير بين أدنى وأعلى مستوى لتوليد التيار الكهربائي، ومن أجل ذلك تضطر شركة الكهرباء إلى بناء عدد من مرافق توليد الطاقة الكهربائية بتكلفة تبلغ عشرات المليارات لاستخدامها جزئيا خلال وقت ذروة الطلب. وعندما ينخفض الطلب بعد الذروة يتوقف عدد من المولدات حتى يحين وقت الذروة من اليوم التالي، ربما لمدة تقارب أربع عشرة ساعة يوميا. وهو ما يعني على أرض الواقع، ارتفاع تكلفة طلب الذروة بأكثر من الضعف، مقارنة بمعدل تكلفة المرافق التي تعمل على مدار الساعة. ولكن ليس هناك الكثير من الخيارات أمام شركات الكهرباء التي يشبه وضعها الشركة السعودية وعلاقاتها مع المستهلكين. إلا أن تطور صناعة توليد الطاقة الشمسية وتدني تكلفتها إلى مستوى ينافس معظم مصادر توليد الطاقة، يضعها ضمن الحلول المناسبة، إن لم تكن الأنسب. وكما ذكرنا آنفا، ذروة عطاء الطاقة الشمسية، يوافق وسط النهار، وتتوافق مع ذروة الطلب المحلي على التيار الكهربائي. فلو أنشأنا مرافق توليد الطاقة الشمسية لتغطية أوقات الذروة، دونما الحاجة في الوقت الحاضر إلى تخزين الطاقة المكلف، لاستطعنا تخفيض تكلفة إنتاج الكهرباء بنسبة كبيرة. وهذا التخفيض يسري لسنوات، إلى أن تصبح المولدات القديمة غير قادرة على تغطية طلب ما دون الذروة. وعلى الشركة حينئذ بناء مرافق توليد تقليدية جديدة حتى تتوصل البحوث العلمية إلى إيجاد وسيلة تخزين ذات كفاءة عالية للطاقة الشمسية لاستخدامها بعد غياب الشمس. ولعله من نافلة القول التذكير بأن استخدام مرافق الطاقة الشمسية لتوليد التيار الكهربائي له الكثير من المميزات في بلادنا التي ربما تفوق مثيلاتها في أماكن أخرى، نحن بأمس الحاجة إليها. وهي أولا، توطين صناعة الطاقة الشمسية، مع ما توفره من الوظائف المهمة للشباب السعودي. ثانيا، وبالأهمية نفسها، توفير عشرات الملايين من براميل النفط التي تستخدم حاليا كوقود لمولدات التيار الكهربائي وتوجيهها إلى التصدير. ولأن الطاقة الشمسية مصدر نظيف، فإن استخدامها سوف يقلل من التلوث البيئي وتأثير ذلك على الغلاف الجوي في المملكة. ولسنا بحاجة إلى تأكيد أهمية الطاقة الشمسية كمصدر متجدد خلال السنوات المقبلة بالنسبة لنا وللعالم أجمع، عندما لا تكون المصادر النفطية قادرة على تلبية الطلب العالمي للطاقة. ثالثا، الاستفادة من توليد الطاقة الشمسية على نطاق واسع في المملكة يعد من أهم مصادر تنويع الدخل، الذي سنظل نسعى جاهدين لتحقيقه. ونظرا لتدني تكلفة توليد الطاقة الشمسية، التي لا تزال توالي الانخفاض سنة بعد سنة، أصبحت منافسا قويا لمعظم مصادر الطاقة الأخرى. وهي بطبيعتها طاقة من منبع لا ينضب، ما سوف يميزها على غيرها من المصادر الأخرى.
إنشرها