Author

لماذا لن ينهار العقار؟

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
لعل هذا العنوان يرضي البعض وفي الوقت نفسه سوف يغضب البعض فالنقاش المحتدم حول هذه القضية يجعل من المستحيل أن يجد الكاتب من يرضى عن مقاله، ومع ذلك فإن المسألة تحتاج إلى كثير من النقاش حولها، وأن يتم طرح وجهات نظر مختلفة. فهناك حقائق في موضوع العقار يجب عدم تجاوزها عند مناقشة موضوعه ومن هذه الحقائق أن العقار سوق ضخمة فيها كثير من المنتجات المختلفة نوعا وحجما وسعرا. فهو قطاع واسع يشمل قطاعات متداخلة فهناك سوق الأراضي البيضاء الخام الواسعة وهناك سوق الأراضي البيضاء المخططة والجاهزة وهناك سوق المباني بأنواعها من عمائر تجارية وسكنية ومجمعات وفلل وشقق سكنية وهناك قطاع العقار المعد للإيجار وهذا بداخله تنوع واسع وتشعب يصعب حصره. لذلك فإننا عندما نتحدث عن العقار يجب علينا أن نحدد ذلك القطاع الذي نقصده سواء في التحليل أو في الحديث والتعليق. العقار بشكل عام يواجه طفرة سعرية وهذا ثابت من خلال كل مؤشرات تكلفة المعيشة، وقد تضخمت أسعار العقار بكل قطاعاته عندما بدأت المصارف تقدم تمويلا لشراء العقار بكل تصنيفاته، واستطاعت السوق العقارية أن تؤسس مستويات سعرية قياسية، وقد تنبهت مؤسسة النقد إلى الدور الخطير الذي تلعبه المصارف في السوق العقارية فحاولت أن تضبط العمل من خلال فرض نسبة 30 في المائة التي يجب على طالب التمويل أن يدفعها من جانبه. وبهذه الخطوة اهتزت السوق العقارية كثيرا حيث أحجم كثير من المتمولين عن الإقبال على شراء الفلل السكنية نظرا لارتفاع أسعارها، مع عدم القدرة على توفير شرط 30 في المائة، وفي الوقت نفسه توسعت الدولة في منح القروض العقارية للمواطنين مع إمكانية الحصول على قرض تكميلي من المصرف. وهذا كله تسبب في تباطؤ السوق العقارية في قطاع بيع الفلل السكنية خاصة، بل لعله وصل إلى الانكماش في بعض المناطق. لكن مصلحة الإحصاءات تقول إن عدد المساكن المتاحة في تعداد عام 2010 بلغ 4.6 مليون مسكن بينما بلغ عدد الأفراد 26 مليونا، موزعين على 4.6 مليون أسرة، المساكن المملوكة بلغت 1.8 مليون أي 39 في المائة من إجمالي المساكن، وتخص 39 في المائة من الأسر. لكن مصلحة الإحصاءات لا تبين لنا على وجه الحقيقة من خلال التعداد كم من الأفراد أو المؤسسات التي تمتلك المساكن، بمعنى آخر إذا كان 61 في المائة من السكان مستأجرين، فمن يمتلك هذه المساكن المؤجرة؟ بالطبع سيكونون من فئة المالكين أي من ضمن 39 في المائة، لأنه لا يمكن أن تكون المساكن المؤجرة موزعة بالتساوي بين المالكين ومن هنا يتضح وجود تركيز وسيطرة واضحة وكبيرة في جانب العرض. وإذا كانت المصلحة تتوقع أن يتجاوز عدد الأفراد في المملكة 30 مليونا تقريبا في عام 2014، وهذه نسبة نمو تبلغ 15 في المائة منذ عام 2010، وهي نسبة ضخمة بلا شك وستوجد طلبا كبيرا على الإسكان، خاصة أن السعوديين يتجهون إلى بناء أسر صغيرة والاستقلال بالسكن عن الأسر الكبيرة، لذلك فإن الطلب يزيد مع بقاء جانب العرض محتكرا في أقل من 30 في المائة من السكان. فكيف ستنهار سوق العقار؟ وإذا لم تنهر فما الذي سيحدث؟ من الواضح تماما أن السوق العقارية تمر الآن بمرحلة تصحيح، لكنها ليست تصحيحا في الأسعار بل تصحيحا في المراكز الاستثمارية، وهذا هو الذي يتسبب الآن في ظاهرة التباطؤ. ففي ظل عدم وجود منافذ استثمارية كبيرة في المملكة قادرة على جذب الاستثمارات وبعد الوضع المتأزم الذي تمر به السوق المالية، فإن الواضح أن السوق العقارية سواء في جانب العرض أو جانب الطلب تبحث عن نقطة توازن جديدة. لكن تحديد هذه النقطة يكمن في حجم توزيع السيولة على الفرص العقارية وبناء محافظ جديدة بتنويع جديد. أي أن الموضوع في السوق العقارية لم يعد مجرد منحنى العرض والطلب بل الأمر يتعلق بمنحيات السواء indifferent curves، فبالنسبة للمستهلك فإن التوازن سيكون عند تلك التوليفة من العقارات التي تحقق له تملك السكن مع تحقيق شرط البنك 30 في المائة وهذا لن يتحقق إلا مع شراء الأراضي أو مع شقق التمليك، وفي جانب العرض فإن المستثمرين سوف يتجهون إلى تلك العقارات التي تحقق لهم الأمان من خلال القدرة على الخروج من السوق وبيع العقارات وأيضا من خلال ضمان العائد المناسب وهذه أيضا تتحقق لهم من خلال الاستثمار في بيع المخططات المطورة أو من خلال بيع الشقق السكنية وتأجيرها. لهذا من المتوقع أن تشهد السوق العقارية انتقالات واسعة في المراكز التجارية تمثل تغييرا واضحا في منحنيات السواء بين المستهلكين والمستثمرين وستجد السوق توازنها قريبا في الأراضي المطورة وفي الشقق السكنية، ولهذا أتوقع أن تشهد المملكة عودة محمومة لنشاط تطوير الأراضي الخام وأن تشهد إقبالا أكبر على بناء الشقق السكنية وتطوير هذه النوعية من المباني والاستثمار.
إنشرها