Author

التحدي الثاني: تشوهات السوق العقارية

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أين تقف السوق العقارية المحلية في الوقت الراهن؟ وما التطورات الأبرز التي طرأت عليها، وتحديدا في جانب مستوى الأسعار؟ وهل ستنجح وزارة الإسكان في إطفاء جذور الأزمة العقارية المشتعلة؟ وماذا قدمت هذه الوزارة حتى اليوم تجاه هذه الأزمة التي أرقت ثلاثة أرباع الأفراد من المواطنين ومعهم أسرهم؟ جزء بسيط جدا أسئلة تنتمي إلى سلة ضخمة من مئات الأسئلة المؤرقة لدى ملايين الأفراد حول هذا الملف الاقتصادي والاجتماعي البالغ الأهمية. أفتح هنا مقالا سيليه عدة قادمة حول التحدي الثاني ضمن التحديات الاقتصادية العشرة الرئيسة التي يواجهها اقتصادنا ومجتمعنا، التي تلخصت في التحديات التالية، (1) هشاشة سوق العمل. (2) تشوهات السوق العقارية. (3) تأخر تنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني. (4) الفساد. (5) قصور أداء الأجهزة الحكومية. (6) الاستهلاك المفرط لمواردنا من الطاقة. (7) ضعف دعم المنشآت المتوسطة والصغيرة. (8) استمرار تفاوت التنمية بين المناطق الحضرية الكبرى والحضرية الصغرى "النائية". (9) تفاقم أشكال اقتصاد الظل. (10) ضمان الأمن المائي والغذائي. بدأت في الأربعة مقالات الأخيرة بالتحدي الأول ممثلا في تشوهات سوق العمل المحلية، ويأتي الآن دور التحدي الثاني على أن أستكمل الحديث بالتفصيل عن بقية التحديات الاقتصادية الرئيسة لدينا في مقالات تليها، علما أنه سيتم في نهاية هذه السلسلة، العمل على جمعها في دراسة كاملة مقترنة بمزيد من التفاصيل والجداول الإحصائية المحدثة بمشيئة الله. المراد من بلورة أفكارنا حول هذه التحديات، والعمل على إيجاد آليات متكاملة بين مختلف الأجهزة الحكومية وغير الحكومية، مستهدفة معالجة تلك التحديات العشر الرئيسة، والعمل على إصلاح أوضاعها وتشوهاتها، وصولا إلى تحقيق المستوى الأفضل والأمثل على مستوى الجوانب المعيشية الست الرئيسة للمجتمع والفرد، المتمثلة في التالي، (1) توفير الرعاية الصحية الكفؤة. (2) توفير التعليم المتطور الكفء. (3) توفير فرص العمل الملائم والدخل الكافي. (4) تسهيل تملك المسكن بأقل التكاليف. (5) توفير بيئة الحياة المصونة بالأنظمة والقوانين العدلية الحافظة للحقوق والواجبات، والمحققة لاشتراطات الأمن والأمان المستدام والشامل. (6) توفير الخدمات البلدية والنقل والاتصالات والبنى التحتية المكتملة. كان لا بد من تذكير القارئ الكريم بمنهجية المقالات التي يتم نشرها في الوقت الراهن عبر صحيفة "الاقتصادية"، وأنها جميعها تصب في فكرة رئيسة تجتمع حولها، وفقا لما تم إيضاحه أعلاه، متمنيا أن تجد اهتماما من لدن الأجهزة الحكومية المعنية بها، وأن تسهم وغيرها من الطروحات الصادقة التي يبادر بها عديد من المختصين والمهتمين بالشأن التنموي والاقتصادي في بلادنا، في تحقيق التقدم المأمول لبلادنا وأهلها، والعمل على ضمان واستقرار أمن وأمان هذه البلاد الغالية والخيرة، بما منحها الله عز وجل من هبات وحفظ من لدنه جلت قدرته، نقابلها جميعا بكلمات وأعمال الحمد والشكر الذي يليق بجلال وجهه الكريم. تمهيدا لما سيأتي من قراءة وتحليل حول أوضاع السوق العقارية المحلية، للوقوف على بينة من أمرها، إن على مستوى الأجهزة الحكومية وفي مقدمتها وزارة الإسكان ومؤسسة النقد العربي السعودي، أو على مستوى المواطن كونه الطرف الأهم في هذه المعادلة، ولما تحمله من أضرار مادية جسيمة نتيجة تفاقم تشوهات تلك السوق، ودخولها فقاعة سعرية هائلة. فوزارة الإسكان مطلوب منها خطوات أكبر وأسرع للقضاء على جذور هذه الأزمة التنموية البالغة الخطر، ولما تمتد إليه تلك المخاطر من التأثير السلبي على استقرار الأمن والمجتمع، ولما قد يترتب على استمرار هذه الأزمة أو تفاقمها من محاذير لا بد من التصدي لها بكل حزم وجدية. ومؤسسة النقد العربي السعودي مطلوب منها، أن تتخذ أعلى درجات الحيطة والحذر، ورفع رقابتها على المصارف التجارية ومؤسسات التمويل العقاري، للالتزام بالأنظمة والتشريعات الصادرة عنها، وأن تمنع أية تجاوزت أو مخالفات لأنظمة التمويل التي فرضتها، لأن أي اختراق لها قد يؤدي إلى الإضرار المدمر بالقطاع المالي المحلي، إضافة إلى مشاركتها في حماية المواطنين من الوقوع ضحايا لتلاعب بعض القوى العقارية، التي لا تكل ولا تمل من المراوغة حول تلك الأنظمة، ليتورط المواطن والمجتمع في شراء عقارات هي اليوم تسير في منحدر سعري، وفي المقابل يتحمل أعباء قروض مصرفية تتجاوز فترات سدادها أكثر من 20 عاما. والمواطن بدوره يتحمل مسؤولية حماية نفسه وأمواله من الوقوع فريسة سهلة لتلك القوى، فما يجري الآن من جهود تبذلها الدولة أيدها الله كأحد أهم أولوياتها في الوقت الراهن، جدير باهتمام المواطن وانتظار نتائجه الإيجابية، وأن يعلم تمام العلم أنه هو المستهدف النهائي من بذل كل تلك الجهود والأموال الطائلة، فلا يتورط في شراء أصول عقارية بدأت تنحدر أسعارها، كما أظهرته البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة العدل، وأن هناك مزيدا من التراجع في الأسعار سيأتي في منظور العامين القريبين المقبلين (2015 - 2016)، فأسعار الوقت الراهن في السوق العقارية تقع تحت مستوى 11 في المائة إلى 18 في المائة مقارنة بما كانت عليه قبل أقل من عام مضى، وهي مرشحة لانخفاض بنسب أكبر طوال الأشهر المقبلة، وذلك نتيجة عديد من العوامل (سيتم ذكرها بالتفصيل الرقمي في المقالات المقبلة، علما أنه يتم استعراضها أسبوعيا عبر مؤشر الاقتصادية العقاري، الذي ينشر كل يوم ثلاثاء من الأسبوع). السوق العقارية المحلية تمر في الوقت الراهن بمرحلة العرض المفرط (زيادة عروض البيع مقابل الإحجام عن الشراء)، وهي المرحلة الثالثة من الفترة الزمنية المقدرة بنحو 18 عاما التي يكتمل خلالها تحقق أربع مراحل مختلفة في أي سوق عقارية حول العالم، حيث تبدأ السوق دورتها في المرحلة الأولى، (الانتعاش) تتسم بانخفاض الشواغر من المساكن، وعدم وجود بناء جديد لها، ثم تنتقل مع ارتفاع الأسعار السوقية للمرحلة الثانية، (التوسع) تتسم بارتفاع الأسعار السوقية للوحدات السكنية وللأراضي بطبيعة الحال، التي تغري باجتذاب مزيد من الاستثمارات والسيولة الباحثة عن قنوات للاستثمار المجدي، ثم تنتقل للمرحلة الثالثة الراهنة، (العرض المفرط) تتسم بزيادة شواغر المساكن، زيادة بناء الوحدات السكنية، بحثا عن تحقيق مكاسب وعوائد كما حدث للاستثمارات التي تدفقت على السوق أثناء المرحلة الثانية، غير أنها وكما تشهده السوق العقارية في المرحلة الراهنة، التي يكاد يكتمل انتقالها إلى المرحلة الرابعة والأخيرة، بدأت مؤشراتها بالتحقق منذ مطلع النصف الثاني من 2014، ويتوقع أن اكتمالها خلال العام الجاري، (الركود) تتسم ملامحها بالزيادة المفرطة في الشواغر من المساكن، واكتمال مزيد من بنائها، ستشهد معه السوق توقف الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص، نتيجة زيادة العرض على الطلب، وهذه مرحلة ستستغرق فترة من الزمن يحتمل امتدادها طوال الأعوام السبعة إلى الثمانية المقبلة، تتراجع خلالها مستويات الأسعار بصورة أقوى، وتبدأ من ثم في دورة سوقية جديدة تعود من خلالها إلى المرحلة الأولى التي تحمل عنوان الانتعاش. وأكمل في المقال القادم. والله ولي التوفيق.
إنشرها