Author

من يحل تضارب إحصاءات سوق العمل؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
متابعة لما كُتب في المقال الأخير "المجتمع السعودي: التعليم والعمل والتنمية"، والضرورة القصوى للاستعداد للتحديات المستقبلية، المتمثلة في زيادة طالبي العمل من المواطنين ذوي المؤهلات التعليمية المرتفعة، المقدر بلوغ أعدادهم في منظور الأعوام الخمسة المقبلة أكثر من 1.5 مليون طالب وطالبة عمل، عدا العدد الذي يعادل هذا الرقم أو يفوقه حجما من حملة شهادة الدبلوم والثانوية. يقوم واقع سوق العمل السعودية في الوقت الراهن وفقا لبيانات المصلحة العامة للإحصاءات الأخيرة (نهاية 2014)، على التوزيع النسبي للعمالة حسب التعليم في القطاعين الحكومي والخاص وفق التالي: أولا: العمالة السعودية: (1) العمالة الأمية والقادرون على القراءة والكتابة 3.4 في المائة من إجمالي العمالة السعودية. (2) العمالة التي تحمل الشهادة الابتدائية والمتوسطة 18.8 في المائة من الإجمالي. (3) العمالة التي تحمل الشهادة الثانوية والدبلوم دون الجامعة 46.1 في المائة من الإجمالي. (4) العمالة التي تحمل مؤهل الشهادة الجامعية فأعلى 31.6 في المائة من الإجمالي. ثانيا: العمالة غير السعودية: (1) العمالة الأمية والقادرون على القراءة والكتابة 12.2 في المائة من إجمالي العمالة غير السعودية. (2) العمالة التي تحمل الشهادة الابتدائية والمتوسطة 35.5 في المائة من الإجمالي. (3) العمالة التي تحمل الشهادة الثانوية والدبلوم دون الجامعة 34.7 في المائة من الإجمالي. (4) العمالة التي تحمل مؤهل الشهادة الجامعية فأكثر 17.6 في المائة من الإجمالي. علما أن بيانات وزارة العمل المتعلقة بالقطاع الخاص، رغم عدم وضوحها في هذا الخصوص بنفس القدر الذي كانت عليه عدة أعوام، كشفتْ في آخر تقرير لها عام 2013 عن وجود نحو 52.0 في المائة من إجمالي العمالة غير السعودية في القطاع الخاص (4.3 مليون عامل) دون تعليم! فيما لم تتجاوز نسبة حملة الشهادات الجامعية فأعلى من العمالة غير السعودية نسبة 8.7 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص! وهذا بالطبع فيه اختلاف كبير جدا عن البيانات التي تنشرها مصلحة الإحصاءات العامة، والاختلاف لم يقف عند هذا الحد، فهو يمتد حتى إلى أعداد العمالة الوافدة أيضا؛ ففي عام 2013 تشير مصلحة الإحصاءات العامة إلى أن إجمالي العمالة الوافدة في البلاد حتى نهاية عام 2013 بلغ 6.01 مليون عامل غير سعودي في القطاعين الحكومي والخاص، بينما تشير بيانات وزارة العمل إلى أن إجمالي العمالة الوافدة في القطاع الخاص فقط لعام 2013 نفسه بلغ 8.2 مليون عامل غير سعودي، ووفقا لبيانات وزارة الخدمة المدنية بلغ مجموع العمالة الوافدة في القطاع الحكومي لعام 2013 نحو 74.0 ألف عامل وافد، ليصبح المجموع لكل من وزارتي العمل والخدمة المدنية نحو 8.3 مليون عامل غير سعودي، أي بزيادة تناهز 2.3 مليون عامل للعام نفسه! فأي تضارب في الإحصاءات هذا بين بيانات ثلاثة أجهزة حكومية رسمية؟ وأي إمكانية للمخطط الاقتصادي ستتوافر لديه للقدرة على رسم وتصميم السياسات الفاعلة لأجل تطوير وتحسين سوق العمل المحلية، في ظل هذا التضارب وعدم الدقة في نشر البيانات؟ هذا التحدي الأول المتمثل في تضارب البيانات، هو الخط الأول الذي يجب تجاوزه لأجل إيجاد منهجية وبرنامج يساعد على تعزيز وجود العمالة الوطنية في السوق المحلية، ولا يمكن الوصول في ظل وجوده السلبي الخطير إلى أي نتائج إيجابية مأمولة! وهو ما سبق الكتابة والحديث عنه طوال أكثر من عقد ونصف من الزمن في السابق، ورغم تلك الفترة الطويلة من عمر هذا الخلل الجوهري الكبير، إلا أنه لم يأتِ حل ناجع حتى الآن لتخطيه والتغلب عليه! حتى مع التفاؤل الذي ولد بالإعلان عن تأسيس المرصد الوطني للعمالة من قبل وزارة العمل قبل نحو أربعة أعوام، للتغلب على هذا المعوق الكبير، إلا أننا ونحن ننهي العام الرابع من انتظاره لم تصدر عنه أي بيانات حتى تاريخه. لا يمكن لأي جهاز حكومي أو مخطط اقتصادي، أن يكتب له النجاح أبدا في عمله، دون وجود قاعدة البيانات والمعلومات التي تبين له الموقف الحقيقي للموضوع أو القضية المكلف بتطويرها ومعالجتها، هذه ليست فكرتي! إنها القاعدة العلمية والعملية التي تقوم عليها الأمور كافة، ولهذا وضعت هذا التحدي أو المعضلة الحقيقية كأول اشتراطات الحلول تجاه التحديات والصعوبات القائمة في سوق العمل المحلية، وهو التحدي المشترك حقيقة بين أغلب التحديات التنموية التي نواجهها في مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى. إنه الشرط الأول والرئيس لأجل اجتياز أخطار البطالة وتفاقم أشكالها في سوق العمل المحلية، وهو الجسر الذي متى أوجد، وتمت معالجة وضعه المختل لدينا، فسيسهم في التعرف فعليا على حقيقة الفرص والتشوهات القائمة في سوق العمل، وعلى الرغم من انكشاف جزء كبير منها في ضوء البيانات المتاحة الآن، إلا أن إلغاء هذا التضارب بين البيانات الصادرة عن الجهات الرسمية المعنية بسوق العمل المحلية، والعمل على إيجاد بيانات موحدة وحقيقية حول وضع سوق العمل لدينا، هو المزود والمؤشر الصادق الممكن الاستناد إليه لأجل بناء وتصميم السياسات الفاعلة، وعدا ذلك فلا يعني إلا استمرارا لحياة التشوهات الراهنة في سوق العمل، التي كان من نتائجها ما نراه اليوم من زيادة في الاستقدام، وزيادة في أعداد العاطلين عن العمل من المواطنين والمواطنات، وزيادة من ثم في معدلات البطالة، وتحديدا في صفوف ذوي الشهادات العليا وصفوف الفتيات. وأستكمل في المقال القادم ـــ بإذن الله تعالى ـــ بقية الحلول المأمول اتخاذها، لأجل معالجة ومواجهة تشوهات سوق العمل المحلية وما نتج عنها من آثار سلبية. والله ولي التوفيق.
إنشرها