Author

الشؤون الاجتماعية .. الدور الجديد

|
مما لا شك فيه أن السنوات القلائل الماضية شهدت توسعا غير مسبوق في أعداد المستفيدين من الضمان الاجتماعي، حيث بلغ عدد المستفيدين حسب الإعلان الأخير 898 ألفا ما بين معاشات ضمانية ومساعدات وبرامج مساندة خلال شهر ربيع الأول لهذا العام، صرف لها ما يزيد على ملياري ريال سعودي. ونلاحظ ارتفاع عدد المستفيدين بنسبة 11 في المائة خلال الأشهر الستة الماضية وهو مرشح للزيادة مستقبلا. ورغم أن هذا الرقم يمثل الاهتمام الكبير للدولة بقطاع ذوي الدخل المحدود وأنها إحدى الأولويات التنموية، إلا أن هذا الرقم يمثل جرس إنذرا يجب التنبه له، ذلك أن الضمان وإن كان من أهدافه ضمان أبسط متطلبات الحياة الكريمة إلا أن ذلك يجب ألا يتعارض مع الهدف الرئيس وهو خرط القادرين من الفئات المستهدفة في العملية التنموية وجعلهم مستقلين ماديا. كما أن الهدف يجب أن يكون الحد من حدة الفقر بتقليل نسبة محدودي الدخل، وقد تكون هناك تفسيرات أخرى لهذا الارتفاع كأن تكون الزيادة ناتجة عن وصول الوزارة إلى مستفيدين تعذر عليها الوصول إليهم قبلا أو تعديل معايير الاستحقاق لتشمل عددا أكبر من المستفيدين. على أية حال، نلاحظ أن حزمة القرارات الملكية الأخيرة شملت وزارة الشؤون الاجتماعية بالكثير من الاهتمام، كما نلاحظ تغييرين جوهريين وهما تعديل سلم الضمان وتعيين وزير جديد ما يمثل تغييرا هيكليا. وبما أن هذا التغيير قد أتى ضمن حزمة أوسع من الإصلاحات ما يعني أن التغيير في وزارة الشؤون الاجتماعية جزء من رؤية موسعة وشاملة. ويتبادر إلى الأذهان العديد من الأسئلة مع الكثير من الترقب والتفاؤل المشوب بالحيرة عما يمكن توقعه من الوزارة الجديدة. وأعتقد أنه يمكن أن نتفق على أن هناك قضيتين أساسيتين يجب التركيز عليهما للفئات المستهدفة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وهما بناء العوائد وبناء القدرات. فبناء العوائد يكون للفئات التي لا تستطيع تقديم ما يكسبها قوتها، ويكون على شكل عوائد استثمارية أكبر لمشاريع الوزارة للمساهمة في رفع مستوى المعيشة لهذه الفئات، أما بناء القدرات فيشمل العديد من الفئات الأخرى التي بإمكانها تقديم الكثير وهي في حاجة إلى أنواع مختلفة من الدعم. فمثلا العديد من أصحاب الإعاقات الجسدية قادرون على شغل مناصب جيدة في العديد من الشركات وهم في حاجة إلى دعم نفسي لتخطي أزمة الإعاقة وكذلك تزويد الشركات التي يعملون بها بالمعدات والترتيبات الخاصة لذوي الاحتياجات الخاصة. وفيما يتعلق باختيار البرامج، فإن طريقة الاختيار الدقيق للبرامج سيكون له أثر كبير في مدى نجاحها. ففي تجربة مبتكرة على أرض مصر وفي إحدى أفقر القرى، يتم تمكين أسر محدودي الدخل عن طريق تقديم تحويل نقدي مشروط مقابل التزام المشتركات ببرنامج معد خصيصا لتطوير قدراتهن، وقد كانت النتائج مبهرة حتى على صعيد وضع حلول للعديد من المشاكل الأسرية، والمقصود هنا أن توضع البرامج على حسب الاحتياج وبالاشتراك مع الفئات المعنية. وفي برنامج آخر يتم تدريب إخصائيين اجتماعيين في الجامعة الأمريكية في القاهرة للتعامل مع أصحاب الاحتياجات الخاصة، وبالتالي الاستجابة لأحد أهم متطلباتهم وهي الرعاية الخاصة لهم. وحبذا لو تم تشكيل فريق عمل رئيس من المتمرسين في مجال العمل الاجتماعي تكون أبرز مهامه تصميم وإدارة برامج الوزارة وكذلك تعيين فريق عمل ميداني من الشباب يخضع لتدريب عملي متخصص في مجال العمل الاجتماعي من أفضل المؤسسات المرموقة في هذا المجال، ويغطي التدريب جميع جوانب العمل الاجتماعي من قياس الأثر للمبادرات والبرامج وقبل ذلك وضع معايير نجاح للأداء، ورفع تقارير إلى فريق العمل الرئيس عن سير مشاريع الوزارة. وعلى صعيد بناء القدرات يتم تصميم برنامج لتطوير المهارات مع أخذ الاحتياجات الفردية بعين الاعتبار، مع مراقبة التطور لكل مشترك وتصميم نظام لمكافأة المتميزين. من المؤكد أن هناك الكثير الذي يمكن أن يقدم على صعيد الشؤون الاجتماعية، وكلنا أمل أن تتحول الوزارة من مجرد جهة لصرف المخصصات المعتمدة إلى جهة قادرة على تنفيذ مشاريع أكثر ربحية تزيد من دخل المستفيدين، إضافة إلى تدريب القادرين من الفئات المستهدفة وتأهيلهم على مراحل لأن يكونوا مستقلين ماليا.
إنشرها