نهنئ جميعا الوزراء على الثقة الملكية الغالية، سواء المجدد لهم أو المعينين حديثا، ونسأل الله لهم جميعا التوفيق والسداد لأداء مهام ومسؤوليات أعمالهم الموكلة إلى حقائبهم الوزارية. في هذا المقال وما سيليه من مقالات عديدة؛ سيتم بمشيئة الله تقديم وعرض أبرز وأهم المأمول إنجازه من الوزراء، التي لا شك أنهم في حاجة إلى النصح والتشجيع والتذكير أكثر من مجرد تهنئتهم، سواء من الكاتب أو من بقية المهتمين والمختصين، وهو الأمر الذي تصب ثماره إن تحققت ـــ بحول الله تعالى ـــ في النتيجة النهائية لمصلحة البلاد والعباد، الذي يتفق تماما مع تطلعات ولي الأمر ـــ أيده الله ـــ باختيارهم لأداء تلك المهام تجاه الوطن، ويتفق أيضا مع طموحات أفراد المجتمع.
ليس أصعب على أي شخص مهما كانت مسؤوليته، من أن يخرج من منزله متجها إلى مقر عمله، وهو عاجزٌ عن أداء المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتقه، إما لوجود معوقات أكبر منه، وإما لعدم معرفته بالمطلوب فعليا منه، أو لكثرة الأعباء والمسؤوليات عليه مقابل محدودية القدرات والموارد لديه. وتتصاعد تلك الصعوبات والتحديات بارتفاع حجم المسؤوليات، وأيضا بارتفاع الدرجة الوظيفية أو المنصب الذي يشغله ذلك الشخص، وهذا يعني بكل تأكيد أن تلك التحديات والمسؤوليات ستصل إلى ذروتها حينما يجد المرء نفسه وزيرا!
من أين أبدأ؟ وكيف أبدأ؟ وما القرارات اللازم اتخاذها؟ ومتى أعلم أنني أنجزت أو لم أنجز؟ وكيف أعالج الخطأ أو القصور إن حدث؟ وكيف أدعم العمل الصحيح وأوسع دائرته؟ ومئات الأسئلة الأخرى التي لا شك أنها تدور لحظة بلحظة في ذهن الوزير أو المسؤول الساعي بكل جدية إلى النجاح والوفاء بالأعباء الموكلة إليه، وللجهاز الذي يتولى دفة إدارته. وتختلف تلك الأسئلة والإجابات عليها في عمق تفاصيلها، باختلاف الموقع الذي يشغله ذلك المسؤول مقارنة بغيره، فمنهم من تجده على مماس مباشر بمصالح الأفراد، ومنهم من هو على علاقة غير مباشرة بمصالحهم، إلا أنهم جميعا في نهاية الأمر تنتهي نتائج أعمالهم إلى الدائرة أو النقطة النهائية نفسها؛ المتمثلة في الوطن والمواطن على حد سواء.
لهذا سيكون مريحا جدا بالنسبة لجميع الوزراء أن تسير أعمالهم تحت رؤية استراتيجية شاملة، طالما كتبت وغيري من كتاب الرأي والمختصين عنها، وأن وجود تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار عند تصميمها ورسمها ما يلي: (1) حصر التحديات التنموية، والمخاطر بمختلف مستوياتها وأنواعها كافة. (2) تقدير الموارد اللازمة لتجاوز تلك التحديات والمخاطر، ووضع الموازنات الكافية لها. (3) تحديد الأهداف النهائية للرؤية الاستراتيجية الشاملة، وأن تكون بلغة رقمية واضحة ومحددة المعالم. (4) تحديد السياسات والبرامج الشاملة للتنفيذ والمتابعة والمراجعة والرقابة. (5) قيام الأجهزة الحكومية المختلفة برسم السياسات والبرامج الجزئية والتفصيلية حسب كل جهاز، مسترشدة وملتزمة بالسياسات الشاملة التي تشكل في الأساس خطة العمل الرئيسة للرؤية الاستراتيجية الشاملة. (6) توزيع مهام الإشراف والرقابة والمتابعة المتعلقة بالرؤية الاستراتيجية الشاملة، والتدقيق في تقدم خطوات التنفيذ والأداء على كل من مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ومجلس الشؤون الاقتصاد والتنمية. (7) أخيرا؛ أن تتسم تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة وكل ما ينبثق عنها من سياسات وبرامج باعتمادها على الأرقام المحددة، بدءا من توصيف وحصر التحديات مرورا بآليات التنفيذ وانتهاء بالأهداف ومراقبة إنجازها من عدمه.
نعم التنظير قد يكون أسهل الأمور على المرء، لكنه مع الإرادة والطموح الذي يتوقد حماسا يمكن ترجمته إلى واقع ملموس على أرض الواقع! وبلادنا تزخر بحمد الله بالكفاءات الوطنية المؤهلة تماما لتحقيق تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة، وكل ما سيتبعها من تفاصيل دقيقة للتنفيذ والرقابة والمتابعة، وأن تصبح دليلا شاملا لآلية العمل الحكومي بمشاركة منشآت القطاع الخاص، وأن تتحول عمليا إلى خطة عمل إلزامية لجميع قطاعات الدولة (حكومة، قطاع خاص)، يمكن من خلالها إنجاز وتحقيق الطموحات والمشروعات المأمولة، وفق جداول زمنية محددة، ووفق ميزانيات مفصلة تخضع للرقابة والمحاسبة والشفافية، وما أفضل أن تسير كل تلك الخطوات وفق منهجية تعتمد على الأرقام أولا وآخرا، ليتمكن صانع القرار ومن يخضع له من الوقوف على بينة من أمره تجاه مختلف بنود تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة للبلاد والعباد.
يبقى المدخل الأهم لتلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة! التي وفقا لتجارب العديد من الدول الناجحة في هذا المضمار، كان الإنسان ثم الإنسان ثم الإنسان النواة الأهم لأي مجتمع من المجتمعات. إذ يجب أن تنطلق وتبدأ تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة من الإنسان السعودي، وأن تنتهي في خواتيم أهدافها ومنجزاتها إلى الإنسان ذاته! فهو الثروة الأهم والأغلى بالنسبة لأي مجتمع، وما فائدة أن يبنى كل ما حول ذلك الإنسان، في الوقت الذي قد تجده محطما مهترئا مقيدا متأخرا من داخله؟! ما يعني بالضرورة كما جرى للعديد من الأمم التي سبقتنا في هذا المضمار "ألمانيا، اليابان، كوريا الجنوبية وغيرها من الدول المتقدمة"، أن يبدأ التركيز منذ اللحظة حال تبني مثل تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة "كما يأمل أغلب المهتمين وقادة الرأي وعموم أفراد المجتمع"، على الإنسان السعودي في سياق مواجهة الحاضر والمستقبل المقبل، مؤكدا في سياق الحديث هنا عن تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة؛ أنه يتجاوز كثيرا الجهود التي بذلت وتبذل من خلال خطط التنمية السابقة، فهي البديل الأنسب بلغة عصرنا الراهن، وهي البديل الذي يتم مراجعة نتائجه سنويا من قبل قيادات فكرية وطنية عليا، تعلو رؤيتها الشاملة وتطلعاتها المستقبلية بكل تأكيد حدود وصلاحيات وزارة الاقتصاد والتخطيط، التي قد يوكل إليها جزءا من مهام متابعة ومراقبة أداء تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة.
ختاما؛ أردت بطرح سؤال المقال "ما المطلوب إنجازه من الوزراء؟" لفت الانتباه إلى أمرين بالغي الأهمية. الأمر الأول: أن الوزراء وغيرهم من المسؤولين، لا يمكن أن يكتب لجهود أجهزتهم نجاحا ملموسا في غياب "دليل عمل محدد" ينظم ويحكم أداء تلك الأجهزة المتعددة المهام والمسؤوليات، وضرورة أن ينتمي ذلك الدليل العملي المحدد للأداء إلى رؤية استراتيجية شاملة واضحة المعالم. الأمر الثاني: وفقا لهذه الوصفة التنموية؛ فإن كل فرد من أفراد المجتمع يتحمل جزءا من المسؤولية، وعليه يصبح السؤال كالتالي: ما المطلوب إنجازه من كل إنسان سعودي؟ ذكرا كان أم أنثى؟ فليس صحيحا أبدا أن يظل أغلبنا في حالة استرخاء تام، مكتفين بمشاهدة ما يمكن أن يقوم به هذا الوزير أو غيره. الجميع في السفينة الكبرى ممثلة في هذا الوطن العظيم مسؤول! مؤكدا أن هذا النمط المعيشي المتقدم بمشاركة الجميع في تحمل المسؤولية، لا يمكن أن يتحقق في غياب تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة، التي يقوم عمودها الرئيس على تعزيز مشاركة الفرد "الإنسان السعودي" في كل صغيرة وكبيرة من أجزاء الحياة المحيطة به! وللحديث بقية، والله ولي التوفيق.