Author

هل تستمر عقلانية النعيمي النفطية؟

|
مستشار اقتصادي
فوجئ الجميع بوضوح الصورة التي وصلت المحيط الاقتصادي عامة والنفطي خاصة من خلال تصريحات وزير البترول وقبوله بأن السعر ممكن أن يصل إلى 20 دولارا. وضوح الرسائل الاقتصادية دائما مهم، ولذلك لم يقبل في اجتماع استثنائي قبل الاجتماع الدوري للمراجعة ولم يقبل بأي تخفيض لا يشمل دولا مهمة خارج "أوبك". فهو يعرف أن الدائرة الأولى "جميع المنتجين خارج "أوبك" وخاصة النفط الصخري" بدأت تتسع وبالتالي يصغر حجم دور "أوبك" مجتمعة، بينما دور المملكة ما زال فريدا في داخل "أوبك"، ولذلك فإن المصلحة الوطنية مختلفة نوعيا بل إن الأولوية المصلحية بدأت في التباعد تدريجيا عن دول يحكمها تعظيم المنفعة الآنية على حساب اقتصاديات بعيدة المدى تخدم القطاع وليس الإنتاج الآني. سقف هذا الاختلاف حجم الاحتياطيات وقاعدة الاختلاف تكلفة الإنتاج. عقلانية النعيمي تقوده من منطلق محدودية الخيارات، فالتنازل عن حصة سوقية دور أو منتج مرجح انتهى. ما يفوت على الكثير هو أن أكبر الخاسرين على المطلق هو المملكة لأن النزول في العوائد أعلى من أي دولة أخرى، ولكن الضرر النسبي على الدول مختلف حسب الظروف الموضوعية قبل النزول لكل دولة، فليست نيجيريا وفنزويلا في وضع جيد وليست إيران في حال أحسن بكثير منهما. السبب يعود إلى كبر حجم تصدير المملكة وأيضا تعلمها من تجربة الثمانينيات في التخلص من الدين العام والمحافظة على رصيد معتبر، ولذلك جاءت السياسة النفطية في تناغم مع الحالة المالية ولو لحين. "لاحظ أن ميزانية 2014 سجلت عجزا ليس بسبب العوائد، ولكن بسبب النمو في المصروفات في المقام الأول". ولكن الحالة المالية أقصر عمرا من الحالة الاقتصادية في المدى المتوسط ــــ فالمال يجد طرقا كثيرة للتسرب، بينما قوى الاقتصاد أكثر ديمومة. عقلانية النعيمي اقتصادية ولكن المنظار الاقتصادي لدينا مالي، ولذلك هناك مكمن للخطر، حيث يأمل النعيمي أن الانخفاض في السعر دوري في غالبه وهيكلي في الجزء الأقل منه وهو المعتاد في السلع وبالتالي تكسب عقلانية النعيمي بامتياز، ولكن الصورة عادة غير مكتملة، ولذلك قد يكون التغير هيكليا أكثر منه دوريا، وبالتالي نكون أمام وضع جديد قد تكسب فيه عقلانية النعيمي جزئيا فقط. التغير في سعر النفط غالبا يجمع بين الدوري والهيكلي. ولكن الهيكلي ثابت ومستمر أيضا فالتقنية تعمل في تواصل على تعديل اقتصاديات الطاقة على أكثر من ناحية وفضاء. تقليل تكلفة الإنتاج واستخلاص كميات أكبر من المكامن والعمل على تقليل حصة النفط من سوق الطاقة وشدة استخدام الطاقة في الدخل القومي كلها عوامل هيكلية قد يشتري المال فيها بعض الوقت، ولكن لا يستطيع التعامل معها دون تغيير هيكلي في إدارتنا الاقتصادية ليس في النفط فقط ولكن في الطاقة والسياسات الاقتصادية. عقلانية النعيمي صحيحة ولكنها لا تكفي في المديين المتوسط والبعيد. بل إن عقلانية النعيمي تركز الأنظار على الخيار الرئيس: بين اقتصاد يقوده المال أو اقتصاد تقوده الإنتاجية. توافر المال يسمح بتفادي الخيارين ولكن النافذة تضيق تباعا بسبب ارتفاع التكاليف الثابتة تصاعديا والمنافسة الاقتصادية خاصة في قطاع النفط.
إنشرها