Author

الوأد الحديث

|
وصلتني عبر البريد رسالتها الباكية والتي تتلون بالألم معنونة بـ "الوأد الحديث"! قرأتها لستة مرات، بحثت في داخلي عن جواب يكون شافيا لها وليس كلاما مُسكتا وطبطبة مؤقتة. بعثت برد لها وطلبتها أن تسمح لي بنشر الرسالة في مقالة، فوافقت على الفور وعلى موافقتها تم النشر. تقول: ""السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بحثت عن استشارة قانونية، عن ما يفعله والدي بي، كيف أعرف حقي وأخذه، شيءٌ ما كان يصرفني عن ذلك، كان والدي يُنفّر كل من طرق بابي بنية الحلال من غير علمي، كنت كقطة مغمضة العين لا أعي ما يحدث حولي، علمت بعضله لي من مجالس النساء، ومنه هو شخصياً، يمنعني من حضور بعض حفلات الزفاف، ويعلل ذلك أن العريس فلان لم يرسل له بطاقة دعوة لذا لايحق لكِ الذهاب، سألته عن السبب أجاب : لاشيء مهم فقط طلبكِ مني العام الماضي ولم أرد له جواباً ويبدو أنه غاضب مني! تعرضت للعنف الجسدي واللفظي من والدي الشخص الذي كان عزيزي عليّ، أصابتني العقد النفسية وأعترف بذلك، في زاوية من زوايا ذاكرتي وداخل صندوق محكم أحتفظ بصورة سيئة جداً عن الرجل، علمت بذلك بعد أن بلغت عقدي الثالث شعرت بظلمه لي وتدميره لحياتي المستقبلية، قرر عني وقرارته لم تضر إلا بي. مؤخراً أحسست بكتلة وألم عضوي، راودني الشك ومن ذلك عانيت الأرق، شحذت الشجاعة مخلوطة بشيء من الهلع، خضعت لفحص الماموجرام من غير علم عائلتي، خرجت بنتائج سلبية، الحمدلله لامهرب من المكتوب، عقدت صداقة مع نفسي وفي أول حوار لي معها كان قرار بشطب عش الزوجية من قائمة الخطط المستقبلية، والتخلي عن أمنيتي الوحيده الأمومه، لن أظلم أبن ناس جمع ماله ليتزوج شريكة عمر وأنا لا أضمن صحتي له ولاعمري المعرض للإنتهاء الذي بنى عليه أحلامه، لن أيتم الطفل الذي أنتظرته طويلاً. نعم أتألم لأن بنات خالي وأقاربي وصديقاتي أصغر مني سناً وقد تزوجن قبلي، نعم أتألم عندما يضممن أطفالهن إلى صدورهن أمامي، نعم أتألم من نظرات مجتمعي الخانقة لأنفاسي، نعم أتألم لأصابع الإتهام بالباطل الموجهة لي، نعم أتألم لأن والدي ينعتني بالعجوز التي فاتها قطار الزواج وكأن الأمر بيدي! نعم أتألم في كل حُلم أمارس فيه الأمومة وأستيقظ ولا أجد صغيري المجهول، نعم أتألم كل ماتحدثت فتاة عن أبيها بكل حب وتقول أبي بأريحية تامه، نعم أتألم لأن والدي مات بالنسبة لي، نعم أتألم لأنني نادراً ما أراه وأتجنب ذلك، نعم أتألم كلما رأيته أشعر بأنه شخص غريب جداً، نعم أتألم لأن عائلتي تكرر : لافرصة أمامكِ، نعم أتألم وبشدة كلما رددوا على مسامعي تصرفي حتى تجلبي العريس! نعم أتألم ولا بلسم لروحي سوى سجدة في صلاة الليل أخبء فيها دعوات ممزوجة بدموع أن يصرف الله عني كل أمر حرام وأن يقبض روحي وأنا على طاعته ويختم لي بالخيرات. كتبت هذا لا لطلب الإستشارة، بل أستغيث بالله ثم بك أن تنقذي كل فتاة محصورة بجدران ولي الأمر الظالم، ولاتعرف كيف تقطع لجام الصمت وتصرخ في وجه كل من يعاملها بالأنثى قليلة العقل التي ليس لها حتى حق في اتخاذ قرار يخص مستقبلها. أتمنى أن تستغلي محبة الناس لك ولقلمك في توعيتهم، عن الكبت الذي يتسبب به العائل على من يعول، عن السقف الذي يحوي فراخ ليس لها ذنب في تصفية حسابات عائلية قديمة، عن غياب الحوار الأُسري، عن المسافات الملغمة التي يزرعها رب الأسرة بينه وبين أبناءه وزوجه، عن الصمت عندما يسود أرجاء المنزل، عن قطع الأرزاق، عن الوأد الحديث، عن خطر الإنتحار النفسي وتقليل الذات عند الفشل بعد المرور بالصعاب، عن النزف الذي يتسبب به أقرب الناس لنا، عن الجرائم الروحية التي تجعل الشخص يموت ألف ميته في الدقيقة، عن الصدور التي تحولت إلى مقابر جماعية، عن الضمائر النائمه، عن الأمانة التي تبرأت منها الجبال وحملها الإنسان، عن المسؤولية التي توضع في غير محلها ولأشخاص غير مؤهلين لذلك، عن الأخطاء التي يرتكبها الكبار ويدفع ثمنها الصغار. في الختام: فاتني القطار وهذا لايهمني، ما يهمني فعلاً ويزرع البسمة كلما فكرت مليّا أن ذلك القطار لم يستطع أن يدهسني. وربما هذا هو الجانب الوحيد الإجابي والمضيء في حياتي. "شكراً مقدماً". حاولت أن أختصرها لطولها بعض الشيء، ولأني أريد أن أجيبها جوابا آخر مقسم على شقين. الشق الأول: يا حبيبة القلب.. إن الزواج قسمة الله وتوزيعه بين خلقه بما يتناسب مع ظروفهم. ليس نهاية الحياة، ولا بدايتها، ولا غايتها، ولم نُخلق من أجله.. إن الزواج دائرة رائعة حين يحكمها الحب والوعي والتفاهم. وشراكة حميمة لاستكمال الحياة التي تكتمل به أو بدونه. الزواج يا حبيبتي ليس الغاية العظمى التي نسعى لها، إنما نحن مستخلفون في هذه الأرض ولنا رسائل يلزمها أن تصل. وقد ميزنا الله بعقول جبارة يجب أن نستثمرها ونعتني بها ونصنع من ذلك العقل أرضًا خصبة لينبت منه كل وعي وصلاح. إن الله أيضا قد منحنا قلوبا مزهرة بالحب راضية وجميلة ومتنورة بالقرب منه ومتعلقة به. إن الزواج نصيب قد يكون شقاء للمرء وقد يكون سعادته، ولكنه ليس محور الحياة الذي تنهار بدونه سقوف الحياة! الذي أريد قوله لكِ بكل حب هو أن الزواج ليس هدفا ولا غاية، إنما مرحلة إنتقالية مختلفة قد تحصل وقد لا تحصل ولكنها ليست كل شيء! فلا تحزني ولا تستائي. أعلم أن شعور الأمومة لديك مشتعل، ولكن ربما هي حكمة الله لك في أن يمنع عنك شرًا قد يقع بك حال إنجابك. كوني سعيدة راضية، انشغلي برسالتك الحياتية الأسمى، ولا تتعلقي بالزواج الذي سيأتي في وقته المناسب صدقيني. كوني على يقين بأن الله لا يمنع عنا إلا كل شر ولا يبعث إلينا إلا كل خير. مهما كان ظاهر الأمر مؤلم فبداخله حكمة ونعمة وخير كبير غير مدرك الآن. الشق الثاني: لمست بأحرفك قوة تعبيرية، وجمالا مبهرا وحصيلة لغوية لا بأس بها. أنتظر مؤلفاتك أن تخرج للعالم. اصنعي من قلمك قاربا رائعا وجميلا تشرقُ منه روحك الرائعة. أنت جاهزة للتحليق، فلا يشد خيطك خيط آخر سيأتي حين لا ننتظره. رسالة صغيرة إلى كل ولي أمر: لقد منحك الله عاطفة عظيمة في ابنة ستكون سببا في دخولك للجنة إن أنت أحسنت رعايتها والتعامل معها. إنك حين تفتح يدك لمحبتها ستفتح قلبها وبيوت الروح من أجل أن تطعمك أعظم حب لن تعرفه إلا من مشاعرها التي لا تتوقف فكن لها ولمشاعرها ولا تكن عليها. محبتي ومودتي وأطيب أمنياتي.
إنشرها