default Author

سر بلدة «جي» الصينية

|
كم تملك من أجهزة الحاسب الآلي وكم هاتفا محمولا لديك؟ قد تعرف الإجابة، ولكن لو حورنا السؤال وقلنا: كم هاتفا اشتريت وكم حاسبا آليا ملكته في حياتك، وكم من الأجهزة الإلكترونية في منزلك ومثلها في مستودعك؟ فقد تعجز عن الإجابة! هوس الأجهزة الإلكترونية والمسارعة إلى اقتناء الأحدث رغم عدم وجود فروقات شاسعة بين منتج وآخر جعلت العالم كله يستهلك كميات مهولة من الأجهزة، أمريكا وحدها في عام 2011 قامت برمي نحو 130 ألف حاسوب يوميا و100 مليون هاتف خليوي سنويا، وهذا الرقم يتزايد بشكل مرعب وسريع مع توجه العالم إلى زيادة الطلب على الهواتف المحمولة، فهل فكرت يوما عندما تتخلص من أجهزتك القديمة: أين تذهب وما مصيرها؟! لنذهب في رحلة إلى بلدة “جي” الصينية ونتعرف على سرها، إنها بلدة مختلفة تماما عن كل بلدان العالم، تغص شوارعها وممراتها وضفاف أنهارها بأكوام من النفايات الإلكترونية، ليس منظر الشوارع فقط مقززا في هذه المدينة، بل كل ما فيها ملوث حتى البشر، ورغم ذلك هم سعداء بما وصلوا إليه، لأنهم يعيشون بين مطرقة الفقر وسندان التسمم، فاختاروا أهون الشرين! يطلق على هذه البلدة اسم “عاصمة النفايات الإلكترونية العالمية”، حيث يعمل 150 ألفا من سكانها 16 ساعة في اليوم لفرز الحواسيب القديمة وفك قطعها لإعادة استعمالها أو بيعها. ويُشكل العمال آلاف المجموعات، لقص الأسلاك وطحن بلاستيك الحواسيب وغمس لوحات التحكم في الأسيد لعزل الرصاص والكادميوم والمعادن السامة الأخرى. وآلاف أخرى منهم تعمل على فصل المادة المطاطية العازلة المحيطة بالأسلاك النحاسية الصغيرة. الهواء هناك يعج بضباب كثيف سام ناتج عن حرق البلاستيك والمعادن، وتمارس هذه الأعمال بشكل عشوائي في الشوارع والمنازل، فليس هناك معامل خاصة للتعامل مع هذه النفايات ولا قوانين لحماية العمال، فتجد أيديهم مغطاة بالسواد وأجسادهم تشبعت بالمعادن السامة، وانتشرت فيهم الأمراض العصبية والمشكلات التنفسية ومرض السرطان، وسجلت بلدتهم أعلى معدلات الإجهاض! كل هذا في سبيل حصول العامل على ثمانية دولارات في اليوم (900 ريال شهريا)، ويعادل خمسة أضعاف العائدات التي كان يجنيها من الزراعة، ما جعل أبناء المدن المجاورة يأتون إليها لجني الأرباح! وقدرت عائدات بلدة “جي” بأكثر من 75 مليون دولار أمريكي سنويا من معالجة أكثر من 1.5 مليون طن من النفايات الإلكترونية ــ وهذه الأرقام في ارتفاع سنويا. ما يحدث هناك ليس إعادة تدوير كما يزعمون وإنما مجرد تنظيف للنفايات تسبب في تحويل هذه البلدة إلى “ثاني أكثر المناطق تلوثا في العالم”، لذا فكر في كل ذلك، قبل أن تسارع إلى استبدال أجهزتك!
إنشرها