Author

صحة المواطن بين إنجازات الملك عبدالله وأولويات الملك سلمان

|
مختص في التمويل والتنظيم وأكاديمي
لغة الأرقام تقول إن ما صرف على وزارة الصحة وحدها تضاعف بصورة فلكية وغير مسبوقة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـــ رحمه الله. فمنذ تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـــ رحمه الله ــــ مقاليد الحكم كانت ميزانية وزارة الصحة في حدود 16.8 مليار ريال عام 2005 لكن هذه الميزانية زادت أكثر من الضعف لتصل إلى حدود 60 مليار ريال عام 2014. بمعنى أن الزيادة السنوية لمخصصات وزارة الصحة كانت في حدود 26 في المائة سنويا. هذه الزيادة السنوية أو الكلية للاعتمادات المالية مرتفعة جدا بكل المعايير حتى عند اعتبار النمو السكاني السنوي كأحد أهم المؤثرات في زيادة الطلب على الخدمات الصحية. هذه الأرقام الخاصة بوزارة الصحة فقط ولم تضف إليها الزيادات في المخصصات الصحية للقطاعات الحكومية الأخرى كمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث ومستشفيات وزارة الدفاع والحرس الوطني والداخلية ووزارة التعليم العالي وغيرها من القطاعات. فكما هو معلوم أن وزارة الصحة تقدم في حدود 60 في المائة من مجمل الخدمات الصحية، بينما تقدم القطاعات الحكومية الأخرى في حدود 20 في المائة من مجمل الخدمات الصحية. لذا فإن هذه الأرقام ستتضاعف بصورة أكبر عند ضم المخصصات الصحية لوزارة الصحة مع المخصصات المالية للقطاعات الحكومية الأخرى. فمثلا عند النظر في زيادة مخصصات المستشفيات الجامعية الحالية أو مخصصات المستشفيات الجامعية للجامعات الناشئة، التي ستصبح ثاني أكبر مقدم للرعاية الصحية بعد وزارة الصحة عند الانتهاء من تنفيذها، لوجدنا أننا نتحدث عن أرقام تعتبر قياسية تعتبر الأعلى من حيث عدد المشاريع وحجمها على المستوى الدولي. ولعل الأرقام الآتية تحكي جزءا من حقيقية حجم الإنفاق على القطاعات الحكومية الأخرى غير التابعة لوزارة الصحة: من المتوقع أن تزيد أعداد أسرة مستشفيات وزارة التعليم العالي من أقل من ألفي سرير عام 1434 هـ إلى حدود 12 ألف سرير خلال السنوات الأربع المقبلة. كما أنه من المتوقع زيادة أسرة مستشفيات وزارة الداخلية من حدود 349 سريرا إلى حدود أكثر من 3700 سرير عام 1440هـ. كما أنه من المتوقع أن يزيد أسرة مستشفيات القوات المسلحة من أكثر من خمسة آلاف سرير إلى أكثر من ثمانية آلاف سرير عام 1440هـ. كما أنه من المتوقع أن تزيد أعداد أسرة مستشفيات الحرس الوطني من حدود 1700 سرير إلى أكثر من 3400 عام 1440هـ كما أنه من المتوقع أن تزيد أسرة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث من حدود ألف سرير إلى أكثر من 3300 سرير عام 1440هـ. في السابق كان ضعف الاعتمادات المالية أهم أسباب سوء الخدمات الصحية كما كان يردد ذلك وزراء الصحة السابقون وهي حقيقة قد نتفق جزئيا معها. لكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـــ رحمه الله ـــ ضخ ميزانيات فلكية للقطاع الصحي سواء لوزارة الصحة أو القطاعات الحكومية الأخرى وأثبت ـــ رحمه الله ـــ بما لا يدع مجالا للشك رغبة جامحة للدولة نحو تطوير الخدمات الصحية المقدمة للمواطن. وسيسجل التاريخ له ـــ رحمه الله ـــ هذه النقلة النوعية في الاعتمادات السنوية للقطاع الصحي الحكومي. فأثبتت الاعتمادات الضخمة للميزانيات الصحية خلال فترة حكمة ـــ رحمه الله ـــ أن الدولة لم تقصر في اعتماداتها المالية لكن المشكلة تكمن في الإدارة التنفيذية وكيفية إدارة الموارد المالية والبشرية للقطاع الصحي بشكل عام. وبنظرة سريعة فقد تجاوزت المشاريع الصحية الحالية لوزارة الصحة وحدها أكثر من 221 مشروعا تنوعت في طبيعتها بين مستشفى تخصصي وبرج طبي ومركز علاجي. كما أن أعداد المستشفيات التي تم تشغيلها بين عامي 1430 و1433 في حدود 57 مستشفى بطاقة تجاوزت 7300 سرير. لا شك في أن الاستثمار في صحة المواطن كان أولوية واضحة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ــ رحمه الله ـــ فقد كان يردد "لا شيء يغلى على صحة المواطن". لذا أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة مباركة ومفصلية نأمل أن تكمل ما تم عمله في السابق ولكن بأولويات جديدة يتم من خلالها الانتقال من مجرد التركيز على زيادة المخصصات المالية على الصحة إلى كيفية رفع كفاءة النظام الصحي وتجويدها وزيادة محفزاته. فالاستثمار في زيادة المخصصات المالية لن يكون له أثر ملموس ما لم يكن الاهتمام بصورة أكبر في تحديد أولويات الصرف وعلى رفع كفاءة المخصصات المالية بشكل عام وهو ما أتمنى أن يكون التركيز عليه في المرحلة المقبلة. لذا آمل أن تكون أولويات مرحلة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ــ حفظه الله ـــ نحو دفع القطاع الصحي إلى إعادة ترتيب أولوياته وإعادة تنظيم المنظومة الصحية بما يتناسب مع طبيعة المرحلة الحالية التي نعيشها. فالإنفاق الصحي مهما كان كبيرا لن يكون له أثر في ظل ضعف مكونات المنظومة الصحية وغياب المحفزات الحقيقية لرفع كفاءتها.
إنشرها