FINANCIAL TIMES

لصوص المصارف تركوا المدير يحمل الحقيبة

لصوص المصارف تركوا المدير يحمل الحقيبة

عندما يتحدث جيمي دايمون، أنا أستمع. الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس هو واحد من الأشخاص الأكثر الإثارة للاهتمام في وول ستريت. لديه موهبة الثرثرة ولهجته تقع موقعا عذبا في أذني كوني أعيش في نيويورك. لذلك اتخذت الأمر على محمل الجد الأسبوع الماضي، عندما استخدم دايمون منبر السلطة لعرض الأرباح الفصلية في شركته، بغية الدفاع عن الحجة التي تقول إن "المصارف تتعرض للهجوم" في الولايات المتحدة. لقد ارتفعت الفاتورة القانونية لشركته إلى أكثر من 25.6 مليار دولار منذ الأزمة المالية. ويشير دايمون إلى أن أمريكا ضلّت طريقها. قال دايمون (58 عاماً) الذي بدأ حياته المهنية في وول ستريت في الثمانينيات: "في الأيام الماضية كنت تتعامل مع مُنظّم واحد عندما تكون لديك قضية، وربما اثنتان، لكن الآن يوجد خمس أو ست. ينبغي لكم جميعاً طرح السؤال عن مدى كون هذا يعتبر أمريكياً". ينبغي لنا ذلك، لأن الجواب هو أنه أمر أمريكي، بقدر ما فطيرة التفاح من اختراع أمريكا. في الواقع، أود أن أشير إلى أن شكوى دايمون دليل على أن هذه البلاد تعود إلى المبادئ الأولى عندما يتعلق الأمر بالصناعة المصرفية. من باب تقديم الأدلة، أود توجيه انتباه القارئ إلى "الأوراق الفيدرالية"، وهي مقالات كتبها بعض آبائنا المؤسسين لتعزيز التصديق على الدستور. واحدة من حججهم الكبيرة للدستور هي أنه يمثّل وسيلة للسيطرة على نفوذ الفصائل، أو ما يسميه الناس الآن مجموعات المصالح. لقد رأى المؤسسون أن الفصائل لا مفر منها، ولو على الأقل لأن توزيع الممتلكات غير متساو. لكنهم كانوا يعتقدون أن بقاء الحكومة الشعبية يعتمد على منع أي فصيل من أن يصبح قويا جداً. الحل الذي توصلوا إليه كان حكومة منقسمة، خليط من السلطات مصمّمة لإبطاء الإرادة الشعبية ومنع الإفراط. منحت الصلاحيات إلى كل من الولايات وإلى سلطة فيدرالية؛ وتم تقسيم الحكومة الفيدرالية إلى ثلاثة فروع: التنفيذية، والتشريعية والقضائية؛ ولأن الفرع التشريعي كان يعتبر الأكثر أهمية، تم تقسيمه إلى فرعين، ومن هنا نشأ مجلس الشيوخ ومجلس النواب. كتب جيمس ماديسون: "الهدف الثابت هو تقسيم وتنظيم المناصب والسلطات العديدة بحيث يكون كل منها بمثابة تدقيق على الآخر". بعبارة أخرى، العدد الكبير من المنظمين الذي يجعل دايمون تعيساً يمثل أنموذج الرئيس ماديسون بشكل إيجابي، وهو ما يعني أنه أمريكي بشكل أساسي. وبقدر ما يبدو هذا غريباً، نحن نعلّق آمالنا في هذه البلاد على الحكومة الفوضوية، الفكرة هي أن جميع هؤلاء الأشخاص المزعجين بإمكانهم مراقبة بعضهم بعضا ومنع الأمور السيئة فعلاً من الحدوث، كالأزمة المالية، مثلا. لقد كانت كارثة السوق في العقد الماضي تماماً هي ذلك النوع من الحوادث التي حذّر منها آباؤنا المؤسسون. لقد أصبح فصيل المصارف قويا جداً إلى درجة أن مصالحه باتت تُعتبر مطابقة لمصالح الجمهورية، ومن ثم تلت المأساة. توق دايمون للأيام التي كان فيها المنظمون الماليون في الولايات المتحدة إلى حد كبير متفقين في آرائهم - وواثقين بأن المشاركين المتمرسين في السوق يعرفون ما كانوا يفعلونه وأن النماذج الإحصائية المعقدة يمكن الاعتماد عليها للإشارة إلى أية مشكلة كبيرة في الأفق. لقد وصل الإيمان بالمصرفيين إلى المستويات التي أصبحوا فيها تقريباً فوق القانون. ينبغي على دايمون التذكّر، أيضاً، لأنه كان موجوداً عندما حدث ذلك، أثناء عمله مع ساندي ويل، حين تم دمج مجموعة ترافيلرز التابعة للبنك، مع شركة سيتي كورب برئاسة جون ريد في عام 1988 لتشكيل سيتي جروب. في ذلك الوقت، كانت الصفقة قد انتهكت أحد القوانين في الولايات المتحدة، الذي يحظر الجمع بين التأمين والخدمات المصرفية، لكن الاحتياطي الفيدرالي قرر أنه ينبغي منح الشركة عامين للامتثال. قبل حلول الموعد النهائي غيرت الولايات المتحدة القوانين. ووقَّع الرئيس بيل كلينتون على قانون جرام – ليش - بليلي لعام 1999، الذي ألغى الفصل بين الخدمات المصرفية والتأمين، فضلاً عن الفصل بين الخدمات المصرفية التجارية والاستثمارية، لكنه سمح لوحدات من المجموعات المالية المتحررة حديثاً بالاحتفاظ بمنظميها القدماء ضيّقي الأفق. هذا الإصلاح الصديق للصناعة تبين أنه كارثي. انتهى الأمر بالمنظمين إلى الإشراف على أعمال لم يكونوا يفهمونها. الحالة الكلاسيكية شملت عمليات مقايضة عجز الائتمان المشؤومة في المجموعة الأمريكية الدولية للتأمين AIG، التي كانت من اختصاص مكتب الإشراف على الادخار، وهو هيئة تنظيمية تم إنشاؤها للاعتناء بالمصارف البسيطة في الداخل من الضرر الذي تم تصويره في فيلم فرانك كابرا "إنها حياة رائعة". لم يكُن هناك أي شخص قادر على إنقاذ أي واحد منا - بما في ذلك جيه بي مورجان ورئيسه - من الحزن الناتج عن الكارثة. أود أن أُضيف في هذا السياق أن دايمون لديه أسباب ليكون غير مرتاح بشأن مصيره الحالي. فكثير من الأموال التي دفعها جيه بي مورجان إلى الحكومة كانت بسبب جرائم تم ارتكابها في المصارف التي قام بشرائها خلال الأزمة مع تشجيع المنظمين الذين لم يعودوا في الوظيفة. وبحسب تعبير الأشخاص الذين يسرقون المصارف، فإن دايمون تُرك ليحمل الحقيبة - وبإمكاننا الشعور بألمه. من الواضح أن لديه أمورا مثيرة للاهتمام ليفعلها في حياته أكثر من قضاء معظمها مع المحامين. لكن الحياة في الجمهورية ليست سهلة. الحكومة الفيدرالية قد تعمل بسلاسة أكبر لو أن الرئيس هو من يتخذ القرارات كافة. وقد يتم وضع التشريعات بسرعة أكبر لو كان هناك مجلس واحد فقط في الكونجرس. والمناخ التنظيمي سيكون أكثر يقينا لو أننا لم نسمح بالمراجعة القضائية. نحن نضيّع كثيرا من الوقت في الولايات المتحدة. هذه هي الطريقة الأمريكية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES