العالم

فرنسا على خطى جورج بوش الابن لإقرار قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب

فرنسا على خطى جورج بوش الابن لإقرار قوانين خاصة بمكافحة الإرهاب

لا تزال فرنسا تحت وقع الصدمة التي ولدها الهجوم على صحيفة "تشارلي إيبدو". هجوم دفع الحكومة الفرنسية إلى اتخاذ إجراءات جديدة لتعزيز أجهزتها الأمنية، وفقا لرئيس الوزراء مانويل فالس. فهل يمكن أن تؤدي مجموعة الإجراءات الجديدة هذه إلى تحول جذري في قوانين مكافحة الإرهاب في فرنسا واعتماد، كما حصل في الولايات المتحدة بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، "باتريوت آكت" بنسخة فرنسية؟ إثر هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، تبنى الرئيس الأمريكي جورج بوش في تشرين الأول (أكتوبر) 2001 "قانون مكافحة الإرهاب" أو "باتريوت آكت" الذي اعتبر حينها قانونا رائدا إذ عزز سلطات الوكالات الحكومية الأمريكية وسمح بمزيد من التنسيق بين مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية. كما أزال القيود عن التنصت وعن رصد رسائل البريد الإلكتروني والسجلات الطبية والمعاملات المصرفية وأجاز عمليات التفتيش في غياب الأشخاص المعنيين. وأدخل القانون ما عُرِف "بالمقاتل العدو" أو "المقاتل غير الشرعي"، سامحا باعتقال واتهام المشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية وإرسالهم إلى معتقل القاعدة الأمريكية في غوانتانامو من دون محاكمتهم أو حتى توجيه التهم إليهم. صدرت قوانين أخرى جاءت مكملة "لقانون باتريوت" ومهدت الطريق لأساليب استجواب قاسية ضد المشتبه فيهم ولمراكز اعتقال سرية خارج الولايات المتحدة الأمريكية ولمحاكمة معتقلي غوانتانامو أمام محاكم عسكرية. غير أن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس حذَّر من فكرة "قانون باتريوت" مطبق على القوانين الفرنسية، مؤكدا في الوقت نفسه على اتخاذ خطوات أخرى كرد على "التهديد" الإرهابي عقب الهجوم على "تشارلي إيبدو". وأشار إلى "أن 1400 شخص توجهوا للجهاد وانخرطوا في أعمال إرهابية في سورية والعراق" معتبرا أن الأرقام هذه تدل على زيادة ضخمة خلال فترة زمنية قصيرة. وحسب إحصاءات رسمية نشرت في تشرين الأول (أكتوبر) يشارك نحو 1110 فرنسيين في مسارات الجهاد في سورية والعراق منهم 368 موجودون هناك للقتال و212 عادوا إلى فرنسا بينما يستعد 205 للسفر إلى المنطقة والمشاركة في الحرب. وكان النائب ورئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الاستخبارات جان جاك أورفواس قد أعلن في مقابلة إذاعية الأسبوع الماضي أن القانون الجديد حول المعلومات الاستخباراتية بات جاهزا. وسيسمح هذا القانون "بالنفاذ إلى بيانات الكمبيوتر للأشخاص الذين يشتبه فيهم بالتحريض" على هجمات إرهابية كما سيتيح "إمكانية "التنصت" في الأماكن حيث يوجدون". وفي هذا الصدد يعتبر الخبير العسكري الجنرال وهبه قاطيشا في حديثه لـ "الاقتصادية" "أن هذه التغييرات هي ضرورية نتيجة تطور التكنولوجيا التي تجعل من عالمنا قرية كونية". وتأكيدا على تصريح مانويل فالس حول التدابير الجديدة التي ستتخذ، كشف أورفواس عن استحداث 1.000 وظيفة إضافية في أجهزة المخابرات بحلول عام 2017 منها 400 في فرع الأمن الداخلي (DGSI) و280 في المديرية العامة للأمن الخارجي (DGSE) فضلا عن بعض الوظائف الإضافية في جهاز المخابرات العامة (RG) الذي تم تأسيسه العام الماضي. وتشارك حاليا في فرنسا ستة أجهزة في مكافحة الإرهاب تضم 13000 عنصر مع ميزانية تصل إلى نحو 1.3 مليار يورو. تمكنت أجهزة الشرطة الفرنسية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2013 من تفكيك 13 خلية على الأراضي الفرنسية كانت تعمل على تجنيد المقاتلين لإرسالهم إلى سورية، وقد أسفرت التحقيقات مع الموقوفين عن أكثر من 60 لائحة اتهام، من بينها مراد فارس، الذي اعتقل في أيلول (سبتمبر) 2014 الذي يُعتقد أنه نظم رحلة إلى سورية لثمانية باريسيين غير أنهم اعتقلوا قبل رحيلهم، كما خطط لسفر عشرة أشخاص من مدينة ستراسبورغ تمكنوا من الوصول إلى سورية، توفي اثنان منهم واعتقل سبعة عند عودتهم. وفي منتصف شهر كانون الأول (ديسمبر)، تم تفكيك خلية أخرى وألقي القبض على أحد عشر شخصا في مدينة تولوز والعاصمة باريس ومنطقة النورماندي. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، كشفت مذكرة صادرة عن فرع الأمن الداخلي تفاصيل هجمات أحبطت في باريس ومدينتي ليل ونيس. وسعيا لمواجهة هذا التهديد المتنامي، أقر البرلمان الفرنسي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 قانون "مكافحة الإرهاب"، الذي حظر توجه الفرنسيين للجهاد في سورية والعراق مع إمكانية حرمانهم من بطاقة هويتهم وجواز سفرهم الفرنسي. كما أوجد القانون الجديد ما عرف "بالجريمة المنظمة الإرهابية الفردية" وسمح بحجب المواقع التي تشجع على الإرهاب. يشير الجنرال قاطيشا إلى أن "العالم تغير مع الإنترنت، وعلى الرغم من أن مراقبة الأشخاص باتت أمرا صعبا غير أنها تبقى ضرورية. استشعرت الولايات المتحدة هذا الخطر منذ فترة، والآن تواجه فرنسا المشلكة نفسها. لذلك يجب إعادة التركيز مجددا على العنصر البشري في الاستخبارات والاستعانة بأشخاص كفوئين"، على حد قوله. أصدرت فرنسا خلال العقد الماضي عددا من القوانين لمكافحة الإرهاب أهمها قانون 23 كانون الثاني (يناير) 2006 "الذي سمح بالمراقبة عبر الكاميرات في الأماكن العامة وتعزيز رصد الاتصالات والسماح للسلطات الإدارية بالوصول إلى المعلومات تحت رعاية ضابط كبير في الشرطة وأتاح إمكانية تمديد مهلة الحبس لمدة تصل إلى ستة أيام". وفي عام 2008، أدخلت تعديلات جديدة على القانون، حيث فرضت تدابير أمنية مشددة مثل التحقق من هوية الأشخاص على خطوط السكك الحديدية الدولية على بعد 20 كيلومترا من الحدود الفرنسية، فضلا عن سماح أجهزة المخابرات إجراءات الاستيلاء الإداري لربط البيانات التقنية، والنفاذ إلى بعض الملفات الإدارية. تشرف المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) منذ العام الماضي على عمل المخابرات في ما خص قضايا مكافحة الإرهاب. وقد أنشئ الجهاز المخابراتي هذا خلفا للمديرية المركزية للاستخبارات الداخلية DCRI، بعد أن أطلق الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في شهر آذار (مارس) إجراءات إصلاحية لمكافحة الإرهاب تمحورت بشكل خاص حول الحد من انتشار الإسلام المتطرف. أما التغيير الأبرز فكان قد حصل في عام 2008 مع إنشاء المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية (DCRI)، التي أنشئت بعد دمج مديرية مراقبة الإقليم (DST) وجهاز المخابرات العامة (RG). وعليه، باتت مهام جهاز المخابرات العامة (RG) منوطة بإدارة فرعية في جهاز الشرطة. وقد لقيت هذه الإصلاحات انتقادات لاذعة بحيث أعلن النائب أورفواس "بأن إلغاء جهاز المخابرات العامة هو خطأ فادح". في الواقع، تم دمج مديرية مراقبة الإقليم (DST) الذي يُعد نشاطها مركزيا، مع مديرية المخابرات العامة التي تميزت بشبكاتها الاستخباراتية المنتشرة على كامل الأراضي: ثقافتان متناقضتان وجدتا من الصعب تقارب الواحدة من الأخرى. هوة أخرى نشأت بين المديرية المركزية للاستخبارات الداخلية (DCRI) وهو جهاز استخباراتي قوي، وبين المديرية العامة للأمن الداخلي (SDIG) التي لا تضاهيها قوة، على الرغم من أنها تمكنت من رصد إشارات التطرف في بعض الأحياء الفرنسية الحساسة. وبعد عملية محمد مراح، ألمح بعض المختصين إلى ضعف التنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية في باريس وتلك الموجودة في الأقاليم. لم تتمكن الإصلاحات العديدة التي أدخلت من تسهيل عمل الاستخبارات الذي بقي مشتتا إلى حد ما. وعليه، سلط تقرير صدر في كانون الأول (ديسمبر) عن رئيس اللجنة البرلمانية لشؤون الاستخبارات الضوء على سوء التنسيق في عمل المديرية العامة للأمن الداخلي (SDIG). إلى ذلك، يُطرح سؤال آخر يتعلق بالموارد البشرية. ففي عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي تم تقليص عدد العناصر في المديرية العامة للأمن الداخلي إلى 3113 عنصرا في حين كانت 3300 عنصر في عام 2008. لذلك، من المتوقع أن يعاد توظيف عناصر جديدة بنسبة 13 في المائة بحلول عام 2018، مع إضافة 430 عنصرا على الـ 3200 الموجودين حاليا في المديرية العامة للأمن الداخلي، 60 في المائة منهم من المحللين والمترجمين والمحامين والمهندسين وإخصائيي تكنولوجيا المعلومات والفنيين. فضلا عن ذلك أعلن رئيس الوزراء مانويل فالس اتخاذ تدابير إضافية تطول السجون معتبرا أن هذه الخطوة تمثل "أولوية ملحة،" حيث تشعر السلطات السياسية والقضائية بالقلق إزاء التطرف في السجون. وعليه، يدرس مدير سجن فريسين (فال – دي - مارن) منذ منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) عملية فصل الإسلاميين المتطرفين، محاولا الحد من عدوى التطرف بين المساجين. غير أن الجنرال قاطيشا يرى من جهته أنه من الضروري إصدار قوانين جديدة تفرض احترام الأديان، وتبث روح التسامح بدءا من المدارس. "فحين يتشارك ملايين الأشخاص إيمانا معينا، من غير الجائز السماح للآخرين بمهاجمة معتقداتهم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من العالم