ثقافة وفنون

المسرح السعودي بين سندان انتظار المهرجانات ومطرقة الاستعانة بالنجم الخليجي

المسرح السعودي بين سندان انتظار المهرجانات ومطرقة الاستعانة بالنجم الخليجي

المسرح السعودي بين سندان انتظار المهرجانات ومطرقة الاستعانة بالنجم الخليجي

المسرح السعودي بين سندان انتظار المهرجانات ومطرقة الاستعانة بالنجم الخليجي

ونحن اليوم نشهد مهرجانات متنوعة على امتداد الوطن، شمالا وجنوبا، شرقا وغربا، يبرز للعيان أمر لافت، فعوضا عن أن تجد المهرجانات المحلية زخما وتراكما مسرحيا وطنيا تتكئ عليه ثقافيا في مثل هذه الاحتفالات الوطنية، يحدث العكس لنجد المسرحيين هم الذين ينتظرون هذه المهرجانات لإبراز أعمالهم الغائبة أو المغيبة طوال العام. إضافة إلى حاجة هذه المهرجانات إلى أسماء تلفزيونية شهيرة، خليجية أو عربية تستعين بها لإبراز هذه المهرجانات. لتتبادر للذهن أسئلة من نوع: ما حجم هذه الحاجة، وهل هي فنية أم دعائية؟ وقبل هذا وذاك أين هو المسرح السعودي؟ وأين هم المسرحيون السعوديون على مستوى المسؤولية والحضور من كل هذا الغياب؟ المتفقد لأوضاع المسرح السعودي سيجد أنه الغائب الحاضر منذ تأسيسه أو ظهوره عام 1928م، ومع تردد الرئاسة العامة لرعاية الشباب بشأنه ومواقفها الخجولة منه، وإرضائها شغف محبيه جزئياً بمهرجانات مسرحية لعروض متفاوتة ما بين القصيرة والطويلة، إلا أنه يبقى كالسينما بفقدانها أبرز مقومات الانتشار والقبول، ما جعل المسرحيين يجدون في المهرجانات أبواباً مفتوحة لإظهار ذلك الشغف بعروض مسرحية متكاملة تتناسب مع كافة أفراد العائلة، وإن كان يفتقد التخصص أو التوجيه، وعلى الرغم من أن المهرجانات المحلية موسمية إلا أن الأسماء الخليجية المعروفة ترد وبقوة في أي نص مطروح ليلاقي القبول والاستحسان. #2# المؤلف والمخرج المسرحي محمد الحلال قال إن الأسماء المشهورة أو الخليجية ليست هي المستهدفة من العمل، وإنما الأهم هو اختيار الشخص المناسب لتأدية الدور، مضيفاً أن مسرحية " العيال كثرت " التي اختار لها الفنان عبدالمحسن النمر شخصية محورية تتكلم عن هموم وهواجس الأسرة المحلية من الطفل حتى الجد، والمشاكل التي تجعل الإنسان أو المجتمع في حالة انشغال وشتات ما يسبب الضعف ويسهل اختراقها، مشيراً إلى أنها تمثل صورة رمزية تختصر العالم العربي إذا ما قارنا أحداث هذا الشتات، منوهاً إلى أن قبول الفنانين المعروفين للعمل معه كمخرج محط اعتزاز وثقة به، ولم يأت هذا التواصل معهم وقبول العمل إﻻ بجهد كبير جعلهم كفرقة وكأشخاص محل اهتمام هؤﻻء الفنانين، خاصة أن فوزهم بالعديد من الجوائز المسرحية على مدى أكثر من 15 سنة ووجودهم في معظم المحافل المسرحية وتحقيقهم إنجازات يشار إليها بالبنان أعطت الفنان النجم دلائل على تميز أعماله بحيث لا يخشى بذلك خوض مغامرة العرض مع فرقة "أفان" أو مع محمد الحلال. وعن التواجد في المهرجانات أضاف الحلال أنها أماكن حيوية تتيح مقابلة الجماهير، إلا إنها ليست أماكن رئيسية لوجودهم فهنالك المسابقات المسرحية أو في المناسبات الأخرى الثانوية، لافتاً إلى أنه كمسرحي يفتقد المسارح المجهزة والصالات التي تحتضن العروض في أي وقت من أوقات السنة، منوهاً إلى أن ذلك يضطرهم لقبول شروط صعبة ومكلفة جداً، تصل حد المغامرة المادية والفنية لإيصال رسائلهم للجمهور. وأشار إلى أن أبرز الشروط التي من الممكن أن تعرضهم لمغامرة الخسارة هو الالتزام بتقديم عرض يتم إنتاجه من الصفر دون مساعدات تذكر من شركات أو رعاة، مضيفاً أن التكاليف قد تصل لأكثر من مائتين وخمسين ألفاً، كما أن المنتج قد يتفاجأ بإخلال المنظم والمتعهد ببنود العقد ما يعني تكاليف أكثر، تضاف للإحباط المعنوي والشخصي والمادي، مشيرا إلى أنه من تجاربه العدة ولقائه برجال الأعمال والشركات اتضح له أن قلة من الرعاة ورجال الأعمال تتفاعل لرعاية العرض وتدعم الفنون والثقافة والمسرح، مضيفاً أن أكثر الداعمين هم أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي يثير تساؤلاً "ما دور الشركات الكبيرة في دعم وتنمية وتربية المجتمعات والشعوب والمواطنين من خلال الفن؟!" علما أن وجود الفنون في أي مجتمع ينعكس إيجابا على كل جوانب الحياة، وتستقر المجتمعات المتحضرة متى ما كثفنا فيها جرعات الفنون والأدب والثقافة، وبالتالي حتى الاقتصاد (محط أنظار رجال الأعمال) يكون له نصيب أوفر متى ما كانت البيئة الحاضنة مستقرة. #3# ويرى الحلال أن دور رعاية الشباب ووزارة الثقافة وجمعيات الفنون محدود جدا في التفاعل مع الفنون والمسرحيات المنتجة على مدار العام، وتحديدا من خلال المهرجانات والمناسبات والمسابقات ومعظم عروضها تنتمي إلى المسرح النخبوي وهذا يجعل المتلقي العادي في معزل عن رؤية المسرح المناسب له والذي يطرح قضاياه المحببة إليه، فهو نبض الشارع ومن المهم جدا أن يتوافر في كل وقت وفي كل مكان. أما الكاتب والسيناريست علي آل حمادة فقد ذكر أن كتابة النص المسرحي مؤرقة جدا خاصة لجمهور تواق يعشق الفن ككل والمسرح بشكل خاص، مضيفاً أن الكتابة المسرحية تتطلب عصفا ذهنيا كبيرا لاختيار السِّمة الرئيسية للعمل وبعدها ينتقل الكاتب للشخصيات الرئيسة التي تؤدي هذه السِّمة حتى ينتقل للحبكة الرئيسية وللشخصيات والموضوعات الثانوية، ليأتي بعدها الهم الأكبر "كيف تبدأ المسرحية بداية مشوقة للجمهور بطريقة تكسبك حبهم ورضاهم؟" وأضاف حمادة أن الكتابة تحتاج إلى البحث عن التجديد في التفكير وتناول المواضيع بطريقة مختلفة تكون من روح المسرحية وليس المباشرة، والأفضل أن يعيش الممثل الشخصية بهمومها ومشاكلها لنتناول هذه القضايا من خلال رؤيته، مؤكداً أنه لا يفكر عادة في الأسماء التي ستؤدي الشخصيات إلا فيما ندر، وإن وجدت شخصية لها نجوميتها فهو يحاول بقدر المستطاع أن يصنع لها دوراً جديداً بالاتفاق مع المخرج ليجد الممثل نفسه في تحد جديد. وأوضح أنه من الكتاب الذين يؤمنون إيمانا تاماً باختيار الأسماء الخليجية ويصر على ذلك رغم مخالفة الكثيرين له لأن وجودهم حسب قوله "ضروري لشبابنا لأننا نفتقد أكاديميات تدرس المسرح في بلادنا"، مشبهاً ذلك بالمحترفين في كرة القدم التي تتطلب دفع مبالغ طائلة من دون تخطيط أو هدف أو مغزى، وذلك لسببين أولهما إحضار النجم المحبب لجمهوره وعشاقه على مسارح القطيف، والآخر هو الاحتكاك والاستفادة منهم بنقل خبراتهم إلى شبابنا خاصة أنهم حضروا من مسرح قوي له تاريخه في بلادهم. ونوه حمادة إلى أن المهرجانات وسيلة وليست غاية فالمهرجانات ليست إلا بوابة واحدة يمكن طرقها، قائلاً إن النظرة للمسارح تتجه نحو التغيير في السنوات القليلة الماضية، متأملاً إنشاء مسارح خاصة تعمل طوال العام كما في الدول المجاورة لتكون لدينا مواسم مسرحية عدة، فالمسرح كما يقال هو مرآة الشعور ولا بد من إثرائه والتمسك به لأنه يصنع فكراً وينشر ثقافة. وذكر المنتج ماهر الغانم أن المهرجانات تجمع كل العائلة على وجبة فنية يجب أن تكون واعية في الطرح، مضيفاً أن أي عمل يلامس الناس سيكون مقبولاً، وبالأخص العمل الذي تخالطه النكتة ويتضمن كوميديا الموقف، والكوميديا السوداء الراقية التي تضحك الناس على همومها بشكل ساخر ومدروس بلا إسفاف. وقال "من خلال تجاربي استطعت أن أتحسس ما يجب طرحه وبأي شكل كمنتج أو مخرج أو ممثل"، لافتاً إلى أن الاستعانة باسم أو اسمين من نجوم التلفزيون والمسرح لرفع حركة المبيعات لتشويق الناس من خلال رؤيتهم عن قرب كمعجبين بهم وفي الوقت نفسه لثقة الناس بأدائهم، متفقاً مع حمادة في أنها فرصة للفنانين الشباب للاحتكاك وأخذ الخبرة رغم أن بعض الأسماء غير المعروفة قد تثبت أن مستواها الفني لا يقل عن مستوى النجم بل إنها تتفوق عليه أحياناً. وعن مهرجان الوفاء أوضح أن الاستعداد له كان مبكرا واستغرق قرابة الشهرين، بدأ بورشة عمل للنص والممثلين والإخراج وباقي عناصر ومقومات العمل، مبيناً أن النجم عبد المحسن النمر انضم في الأسبوع الأخير قبل العرض لانشغاله بأعمال أخرى خارج البلد ولكنه كان متابعاً لهم قبل ذلك، ومشرفاً على العمل، ومتعاونا جدا. مدير مسرح الوفاء الثامن ناصر عبدالواحد قال إن مسرح المنطقة الشرقية عادة ما يحظى بمتابعين وجمهور كبير، خاصة أن المسرح من الفعاليات المهمة والجاذبة لزوار المهرجانات، مشيراً إلى أن آلية اختيار العروض المشاركة ترتكز على الأسماء ونوعية النص المقدم، مضيفاً أن مسرح الوفاء هذه السنة قدم مسرحيتين الأولى "العيال كثرت" من بطولة النجم عبدالمحسن النمر وتأليف وإخراج محمد الحلال وهي تابعة لفرقة أفان، والثانية مسرحية "دعيدع" بطولة محمد العجيمي وخالد العجيرب من الكويت وناصر عبدالواحد وأحمد النصر وإسحاق آل صفوان ومجموعة من الشباب السعودي وهي من تأليف نهار الضويحي وإخراج هيثم حبيب ومن إنتاج مؤسسة حياة الفن. وقال "أساس المهرجان فكرته دعم الشباب والطاقات الشابة المحلية وتسليط الضوء عليها"، وحتى لو تم تقديم عرض مسرحي من دون أسماء مشهورة فسيتم قبولها إلا أن هذا يعود لتاريخ الفرقة وأعمالها السابقة، فالأعمال المشاركة هي لفرقتين مشهود بتقديمهما أعمالا مميزة، وتاريخها المسرحي يشهد بذلك، كما أن إحداها تتمتع بالعمل المؤسساتي والتخصص وتوزيع المهام، وسبق أن قدمت مسرحية ناجحة في مهرجان واحتنا فرحانة لاقت على أثرها ردود فعل إيجابية. وعن غياب مسرح الطفل في المهرجانات برر عبدالواحد ذلك بالافتقار إلى عامل الإبهار والخيال، قائلاً إن "طفل اليوم غير طفل الأمس، ويمكن النظر لمسرح الطفل في الكويت الآن الذي يحوي إنتاجاً ضخماً جدا يحاكي خيال الطفل وحواسه، ممزوجا بالفكرة والمعرفة، وهذا هو مسرح الطفل أما غيره فهو ضحك على عقلية الطفل"، منوهاً إلى أن وجود المسرح يستدعي مناخاً صحياً لإظهار المسرحيات بجودة عالية في المضمون والهدف والإنتاج. وتمنى عبدالواحد من أصحاب القرار تبني بناء مسارح تدعم الشباب مثلها مثل بقية الأنشطة الشبابية كالأندية والملاعب الرياضية لتقديم مسرح راق فالمسرح محتاج إلى دعم الدولة وبناء مسارح مجهزة للعرض.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون