Author

من يجرؤ على مواجهة فقاعة العقار؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
تأكيدا لما سبق ذكره في تقارير ومقالات سابقة، حول وجود فقاعة سعرية في السوق العقارية المحلية، من عدمه، ولأهمية وقوف القارئ على أرض صلبة، وقبله صاحب القرار، كونه المسؤول الأول عن إيجاد حل نهائي وفاعل للأزمة الإسكانية، تمكنهما من اتخاذ قراراتهما على بينة من أمرهما، ولأننا بعد اللقاء الأخير لوزير الإسكان بأعضاء مجلس الشورى، والاستماع لكل ما طرحه الوزير حول الأزمة الإسكانية، وما تم وسيتم والاشتراطات التي تضمنت كلمته أمام المجلس، التي تؤكد لنا بما لا يدع مجالا للشك أن حلول هذه الأزمة التنموية المفتعلة قد وصلت إلى طريق مسدود تماما، وأن تجاوزها لن يحدث إلا بتحقق تلك الاشتراطات أو المتطلبات، وعدا ذلك فإننا سنظل متسمرين عند نقطة الصفر، أو نقطة لا حل! إنها الحالة التي أصبح من الصعب أو الأقرب إلى المستحيل أن يتمكن المواطن من الحصول على مسكنه، تحت مظلة الأنظمة الجديدة للتمويل، ووفقا لمستوى دخله المتدني الراهن، في مواجهة هذه الموجة المرتفعة والشاهقة الارتفاع للأسعار. وفي الوقت ذاته لن تجد عروض المساكن الراهنة، التي فاقت بفائض عرضها سقف الـ 635 ألف وحدة سكنية، وقد تزيد بتوافر البيانات الإسكانية الأحدث، أقول لن تجد تلك العروض الفائضة من المساكن طريقها إلى الباحثين عنها، وهي تتربع فوق فوهة سعرية ساخنة. من يريد الشراء عاجز عن الشراء، ومن يريد البيع عاجز عن البيع! وسر الأزمة كامن في تضخم الأسعار، لا في مجرد ضعف مستوى الدخل أو ضآلة التمويل، والنقطة الأخيرة هي ما يجب أن تحذر منه وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية، فحتى إن عمل الطرفان على زيادة حجم التمويل، فلا يعني ذلك إلا مزيدا من الارتفاع في الأسعار، ومن ثم سنعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى، ولكن على مستوى أكثر خطورة وأكثر تعقيدا. إن أي تجاهل لأساس الأزمة المتمثل في تضخم الأسعار (الفقاعة السعرية)، يعني السماح بمزيد من الفوضى ومزيد من تفاقم الأزمة العقارية والإسكانية، ويعني أيضا السماح والقبول بالأسباب أو التشوهات التي أفضت إليها، وهو بمنطق الأرقام التي كشفت لنا أخيرا أن 250 مليار ريال المدفوعة إلى وزارة الإسكان لم تستطع أن تحرك فيها ساكنا منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بل قد زادت تعقيدا عما مضى، وزادت الأسعار أكثر مما مضى، وزاد الباحثون عن مساكن ولم يجدوا لها أثرا أو حلا، وزاد معه الركود العقاري! فكيف بمن يعتقد أنها قد تقدم أي حل للأزمة الإسكانية في منظور أسبوع مقبل أو حتى 10 أعوام مقبلة، وما زالت قنوات تضخيم الأسعار وزيادة استعارها في أمان عظيم من أي تدخل أو أداة علاج! إنها (الفقاعة السعرية للعقار) مربط الفرس الذي يتحاشى الجميع مواجهته، إما لأنه يمس مصلحته الخاصة على حساب المصلحة العامة للبلاد والعباد، أو لأنه عاجز تماما أمامها عن تقديم قدم تجاهها أو تأخيرها، لعدم قدرته على اتخاذ قرار في خصوصها! ولا تقف القضية أو الأزمة عند مجرد فقاعة أو خلافه من المصطلحات الأخرى، بقدر ما أنها ترتبط بالأسباب أو التشوهات التي أفضت إليها، ولا يراد أن يتحول الجدال هنا إلى مجرد جدال بيزنطي بين فريقين؛ الأول يؤكد وجود فقاعة، والآخر ينكر وجود هذه الفقاعة، في ذات الوقت الذي ترى فيه مئات الآلاف من الباحثين عن مساكن تتزايد أعدادهم عاما بعد عام، في ظل غياب شبه تام للحل الجذري والفاعل! ذكرت في مقالات سابقة خلاصة لتلك القنوات أو الأسباب التي أفضت إلى تشكل هذه الأزمة، وكيف أن مواجهتها هي بداية المواجهة والحل، ألخصها هنا في أربع نقاط: (1) نشأت الأزمة في بدايتها من منح الأراضي بمساحات شاسعة جدا لأفراد نافذين محدودي العدد، وتم احتكار جزء منها على هيئة أراض خام، وجزء منها تم بيعه بأثمان بخسة إلى فئة كبار تجار الأراضي والعقار. (2) بعد انتقال جزء من ملكية تلك الأراضي الشاسعة، إلى فئة التجار قاموا بتكرار نفس الخطأ السابق بأن حولوا أغلب تلك الأراضي إلى مخزن للثروة طويل الأجل، وجزء تم تطويره وعرضه للعامة عبر منصات المساهمات العقارية، وفق آليات استهدفت المحافظة على النمو المستمر للأسعار. (3) تلقّفت مجموعات المضاربين والمتاجرين أغلب تلك الأراضي بعد بيعها من قبل فئة كبار التجار، ودخلت بدورها دوامة سعرية صاعدة لا حدود لها. (4) بعد انخفاض منح الأراضي خلال العقد الماضي، حلت محلها جرائم تزوير الصكوك وحجج الاستحكام، ما زاد من تشحيح الأراضي، ولتمر الأراضي المستولى عليها بنفس صيغ مخالفة بالآليات المذكورة أعلاه نفسها، وكانت النتيجة مزيدا من الارتفاع الجنوني للأسعار. إننا باختصار عالقون بين السماء والأرض، فلا قدرة لأحد حتى تاريخه على رفع الحالة إلى السماء فترتفع الأسعار، مقابل ارتفاع مستوى الدخل ومستويات التمويل بالنسبة للمواطنين، وهو ما يأمله ويحلم به معسكر العقاريين مهما كانت العواقب وخيمة على البلاد والعباد! ولا الحالة المستعصية تواضعت وقبلت بالعودة إلى الأرض بما يوازي قدرة الأفراد الشرائية، وبما يمكن قبوله على مستوى التمويل دون توريط عباد الله في ديون طائلة ومنهكة لهم لأكثر من 20-25 عاما. إذا لم تكن هذه فقّاعة سعرية، وإذا لم تكن تلك الأسباب والتشوهات أدت إليها، وإذا لم تكن هذه أزمة تنموية حقيقية، وإذا لم يُرَد للحلول الواجبة أن تأخذ مجراها لتصحيح هذا الخلل الخطير، فما الحل إذاً؟! قبول مقترحات المستفيدين القلة من الوضع الراهن للأزمة (زيادة الأجور، زيادة التمويل، عدم فرض رسوم على الأراضي) يعني زيادة الأسعار دون توقّف، ويعني أيضا أن ما هو اليوم متره بـ 2000 ريال، مسموح له أن يرتفع غدا إلى 3000 ريال، ثم إلى 5000 ريال، وهكذا إلى طريق غير معلومة عواقبه! ومن لديه القدرة غدا أو في المستقبل سواء الحكومة أو القطاع الخاص على القبول برفع الأجور والرواتب إلى ما لا نهاية؟ ولأجل ماذا؟ لأجل ألا يخسر بضعة تجار للعقار! أم أن الحل الذي تأكدت معالمه وآثاره؛ الذي من أبرز عناوينه في الأجل القصير: (1) توجيه الأراضي المستردة بموجب الصكوك وحجج الاستحكام المزورة إلى وزارة الإسكان. (2) استرداد أراضي المنح التي لم يتم تطويرها وتوجيهها أيضا لوزارة الإسكان. (3) فرض الرسوم والغرامات على الأراضي المحتكرة. ومن ثم فتح الطريق أمام تراجع أسعار ما بلغت فقاعته السعرية عنان السماء، وتحقيق الفرج للبلاد والعباد! إنه السؤال الباحث عن إجابة: من يجرؤ على مواجهة فقاعة العقار؟ والله ولي التوفيق.
إنشرها